الحرية والعبودية

#الحرية و #العبودية
مقال الإثنين: 1 / 9 / 2025

د. #هاشم_غرايبه
يقول ” لا بوايسي ÉTIENNE DE LA BOÉTIE” في كتابه الشهير “العبودية المختارة” الذي نشر في القرن السادس عشر:”إن موافقة المستعبَدين هي التي تؤسس الطغيان وليس قوة الطاغية “.
منذ وجد الإنسان، أحس بفطرته التي فطر عليها، أن حريته قيمة أساسية مرتبطة بكرامته، وعندما تطورت المجتمعات، بات التنافس فيما بينها والتنازع على الممتلكات السمة السائدة في العلاقات البينية.
أدى ذلك الى اضطهاد الأقوى للأضعف، ونشبت الحروب الدامية بين الأقوام والأمم، فكان المنتصر يفرض شروطه على المهزوم الذي يخسر كل ممتلكاته وفوق ذلك يفقد حريته، ويصبح عبدا للمنتصر يعمل عنده بلا مقابل، وسلعة كالدواب يباع ويشترى، ثم أصبحت مرتبطة بالعرق يستعبد بعضها بعضا كما في شرق آسيا، أو اللون مثل استعباد الأوروبيين البيض للأفارقة السود، وظل الأمريكيون ذوي الأصول الأوروبية حتى القرن التاسع عشرلا يعتبرون أن للسود أرواحا بشرية بل يعتقدونهم فصيلة من المخلوقات بلا أرواح.
لم يقتصر الإستعباد على نتائج الحروب، بل كان داخل المجتمع المتجانس، إذ سعى الأقوياء والأثرياء الى السيادة على من دونهم، فنشأت السلطة بذريعة توحيد الكلمة للجماعة لحفظ مصالحها، بدأت السلطة إنسانية مفهومها الرعاية وتلبية الإحتياجات بصورة سلطة الأب، ثم من الجد لذريته ثم تدرجت في التوجهات الأنانية والإستعلاء على الآخرين الى شيخ العشيرة أو زعيم القبيلة، وصولا الى الزعيم الوطني، وأصبحت الزعامة تعني انفراد الأقوى بالسلطة، وينفذ إرادته بحرمان المعارض له من حريته (السجن) أو من حياته، وبذلك تحددت حرية المجموع بسقف يحدده الحاكم لتبدأ فوقه حرية الحاكم التي ليس للمحكوم تحديدها فسمي الحكم المطلق.. وهو معنى العبودية المختارة.
هكذا اصبح الرق نظاما اجتماعيا ساد البشر، حتى كان القرن السابع الميلادي، حينما أنزل الله على البشر الشريعة الإسلامية، التي كان أول مبادئها أن البشر جميعهم أبناء آدم ومتساوون بغض النظر عن اللون والعرق والقومية، فكان ذلك بداية تحرير الإنسان من العبودية للآخر.
لم يكن ذلك ليتحقق إلا بأن يكون البشر جميعا مشتركين في حالة واحدة وهي أنهم عباد لله، لأن العبد لا يستعبده عبد مثله بل المعبود، إذاً فالعبودية لله تلغي عبودة الانسان للإنسان، لأنها تساوي بينهم.
هنالك مسألة تنغلق دونها أفهام غير المتعمقين في فهم الدين، وهي الخلط بين العبودية لله والإستعباد لغيره.
العبد هو الشخص الذي لا يمكنه الخروج على إرادة من استعبده قهرا وليس باختياره، أما العابد فهو الذي اختار عدم الخروج على إرادة المعبود طوعا وبإرادته.
لذلك فلفظة العبد تُجمع عبيدا، والعابد تُجمع عابدين، لكن الله كرم هؤلاء وميزهم عن العبيد (الأرقاء) بأن أطلق عليهم مسمى لغويا جديدا فسماهم عبادا.
من حيث الواقع العملي فالناس كلهم (سادة وعبيدا)، بل وكل الكائنات جميعا عبيد لله، لأنه موجدهم، وبيده بقاؤهم وزوالهم، وإليه مصيرهم، وخلال ذلك لا يملكون الخروج عن مشيئته ولا التمرد على حكم.
لكن العباد يتميزون عن العبيد بأن مراداتهم اتحدت مع مايريده الله سبحانه وتعالى، فيطيعونه باختيارهم، لذلك يكافئهم فيشرفهم بالإنتساب إليه، والتسمي بمسمى عباد الرحمن.
وعليه فأسمى المراتب البشرية هي العبودية لله لأنها اقتراب منه تعالى، وأدناها العبودية للبشر أوللشهوات لإنها انحطاط الى مرتبة الدواب.
لما كانت عبودية الناس جميعا لله وحده تلغي عبودية الإنسان للإنسان، لذا فالحريات الفردية متساوية ضمن هذا الإطار.
وعلى عكس ما يعتقده رافضو الدين بأنه يحدد الحرية الفكرية، فهي متاحة لاستنباط الوسائل وابتداع الإختراعات لتحسين ظروف الحياة ورفع مستوى الأفراد والجماعات والبحث عن حلول لمشكلات المجتمعات، كما يضمن الإسلام حرية التفكر في خلق الله والوجود لأنه مطمئن أنه لا يمكن للمرء إيجاد أي إثبات أو دلالة على عدم وجود الله .
لذا فإن اتّباع مذهب ينكر العبودية والربوبية لله ليست حرية فكرية، بل هي انفلات ومجافاة للمنطق، وخروج عن حدود الحرية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى