“الحرية الممنوعة: حين تتحول حقوق الإنسان إلى شعارات جوفاء”

#سواليف

#الحرية_الممنوعة : حين تتحول #حقوق_الإنسان إلى #شعارات_جوفاء

بقلم : ا د #محمد_تركي_بني_سلامة

في عصر تُرفع فيه #شعارات #الحرية وحقوق الإنسان بصوت عالٍ، وفي زمن تدّعي فيه بعض الدول أنها الحصن الحامي للعدالة، نجد في الوقت ذاته المثقفين والأدباء والمفكرين يُزج بهم في الزنازين، وتُغلق أفواههم بحججٍ واهية، لأنهم تجرأوا على قول ما يُخالف التيار العام أو ما قد يُزعج السلطة. إنها مأساة العصر، حينما تصبح الحرية سيفاً على أعناق من يُنادي بها، وتتحول العدالة إلى غطاء يُخفي أبشع أشكال القمع.

مقالات ذات صلة

الطغيان والاستبداد هما الأعداء الأوائل لأي مجتمع يسعى إلى الحرية. فعندما يُصبح الاعتقال السياسي أداةً لإسكات الأصوات وترويض العقول، ينكشف الوجه القبيح للاستبداد، ويدرك الجميع أن تلك الشعارات البراقة عن العدالة والمساواة لا تعدو كونها قشرةً هشة تخفي وراءها أسوأ أشكال الاستغلال والقمع. في المجتمعات التي تُمارس الاعتقال السياسي، تُصبح حرية التعبير جريمة تستوجب العقاب، ويُحوَّل النقد إلى تهديد للأمن، ويُعاقب الفكر المستنير كأنه عدو يجب القضاء عليه.

كيف يمكن لمجتمع أن يزدهر وهو مكبل بقيود الطغيان؟ حينما يُكمم الأفواه وتُكبت الآراء، لا يعود هناك مجال للتغيير، ولا مكان للتطور. يخلق الاستبداد جواً من الخوف، يدفع الناس إلى الصمت، حتى يتحول المجتمع بأسره إلى جسد بلا روح. وحينما يفرض الطغاة سيطرتهم، يصبح المجتمع عرضة للانهيار، لأن التقدم يحتاج إلى حرية الفكر والنقد البناء، لا إلى طغاة يحكمون باسم الحرية.

من المضحك المبكي أن تُشاهد الدول المستبدة تتغنى بالحريات وحقوق الإنسان في المنصات الدولية، وكأنها تدير مهرجانًا للخطابة. يتحدثون عن حرية الصحافة، وحقوق الإنسان، ويزعمون أنهم حماة العدالة، بينما في الواقع، تُمارس مؤسساتهم القمع بأبشع صوره، وتُلاحق كل من يُجرؤ على انتقادها. إنه تناقض يثير السخرية، ويجعلنا نتساءل: هل تحولت الحريات إلى سلعة يتداولونها في العلن فقط ليغطوا على طغيانهم في الداخل؟

إن ما تفعله تلك الأنظمة لا يُعدُ دفاعاً عن حقوق الإنسان، بل هو خديعة، ومحاولة بائسة لتزيين صورتها القبيحة. عندما يُسجن الكاتب والصحفي والمفكر لأنهم تجرؤوا على قول الحقيقة، يتضح أن الحرية التي يتغنون بها ما هي إلا قناعٌ يخفي وجهًا مشوهًا للقمع.

الحرية ليست مجرد شعار يُرفع أو خطاب يُلقى في محفل دولي، بل هي جوهر إنساني يحق لكل فرد أن يعيشه ويمارسه. وعندما تُسلب هذه الحرية، وتُقيد في قفص من القيود الحديدية، يصبح المجتمع بأسره أسيرًا في زنزانة بلا جدران. إن الاعتقال السياسي، حينما يُمارس تحت ستار الأمن والاستقرار، هو جريمة بحق الإنسان، وجريمة بحق مستقبل الأمة.

فالحرية هي ما يمنح الإنسان قدرته على النمو والإبداع، وإذا ما قُيدت أو حُوّرت إلى أداة لقمع الأصوات الحرة، فإنه لا يمكن للمجتمع أن يتقدم أو يحقق العدالة. فالاعتقال السياسي لا يمس فقط من يُسجن، بل يهدد أمن المجتمع بأسره، لأنه يحرم الأمة من عقولها التي كان يمكن أن تكون أساسًا للتطور والتقدم.

في عالم مليء بالشعارات الرنانة، وفي ظل شعارات كاذبة عن الحرية، يبقى الأمل في من يدافعون عن الحريات بحق، الذين يرون في الحرية حقاً لا يجوز المساس به. يجب أن تُسمع أصوات الأحرار التي تطالب بوقف القمع، وتدعو إلى احترام حقوق الإنسان، وتعمل على بناء مجتمع قائم على العدالة الحقيقية، لا على مجرد الكلمات الجوفاء.

إن المجتمعات التي تناضل من أجل حرياتها يجب أن تقف بحزم ضد الطغيان، وأن تدافع عن حرية الأفراد وحقوقهم الأساسية. يجب تعزيز قوانين حقوق الإنسان، وتطبيقها بصرامة لضمان عدم تعرض الأفراد للاعتقال التعسفي. كما يجب دعم المنظمات الحقوقية التي تعمل على توثيق هذه الانتهاكات وفضحها، لأن الاعتقال السياسي لا يؤثر على فرد بعينه، بل يهدد المجتمع بأسره، ويحول دون بناء أمة متماسكة قائمة على العدالة والمساواة.

في النهاية، الطغيان هو طاعون يضرب جذور المجتمعات، يدمرها من الداخل، ويجعلها فريسة للانهيار. فلا حرية تُباع ولا عدالة تُشترى. إنما هي قيم حقيقية تُحترم أو تُداس، وبين هذين الخيارين، تتحدد مصائر الشعوب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى