الحرب الدينية في القدس / د.رياض ياسين

الحرب الدينية في القدس
د.رياض ياسين
مدير مركز إكليل للدراسات والاستشارات

تتزاحم في كل رمضان الاخبار والتحذيرات عن قيام المتطرفين بالاعتداء مباشرة على المسجد الاقصى واقتحام حرمته، فاقتحام الاقصى بين الفينة والاخرى أكثر من مجرد اعتداء عرضي لمتطرفين يتم تحت اعين سلطة الاحتلال الاسرائيلي التي هي بموجب الاتفاقات والقرارات الدولية بمثابة الامينة على هذه الممتلكات الثقافية، فاسرائيل وفقا لأحكام القانون الدولي تعتبر قوة محتلة، قامت بإحتلال القدس وباقي الأراضي العربية المحتلة بالإستناد للقوة، والإحتلال معرف تعريفاً واضحاً في المادة 42 من اتفاقية لاهاي لعام 1907.

هل سيكفي فقط تجريم اسرائيل واستصدار قرارات جديدة ضدها في حال كررت الاعتداء على الاماكن المقدسة، باعتبار أن الاعتداء على الاملاك الثقافية من أماكن دينية واثــــــرية وتاريخية في أكثر من موضع وأكثر مــن قرار يعد بمثابة جرائم حرب، فقد أعتبـــــرت أحكام المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة تدميــــر واغتصاب الممتلكات الدينية والثقافية والتاريخية بصورة لا تقتضيها الضــــرورات الحربية الأكيدة من قبيل المخالفات الجسيمة، التي كيفت بنص المادة (85) من البروتوكول الإضافي الأول بأنها جرائم حرب. وهذا ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 36/147 بتاريخ 16/ ديسمبر /1981 فقرة (6) بأن الاعتداء على الأماكن التاريخية والثقــــافية والدينية هي من قبيل جــــرائم الحرب، حيث نصــت على أن حالات الخـــرق الخطــــيرة من قبل إسرائيل لأحكام اتفاقية جنيف هي جرائم حرب وإهانة للإنسانية.

الاهم من ذلك يبدو على المستوى السياسي لهذه الاقتحامات المتكررة التي يبدو انها تصب في مجرى استكمال مشروع بناء ما يسميه الاسرائيليون ‘المدينة اليهودية المقدسة’ بحيث يهدفون الى تقسيم المسجد الاقصى وتثبيت “الاحقية اليهودية” فيه كأمر واقع، وقد قفزوا حتى على بعض الرؤى السياسية الدولية لمستقبل مدينة القدس خاصة تلك الفكرة الرائجة في الاوساط الامريكية والتي تقوم على رؤية المدينة المتعددة او العاصمة الدينية المفتوحة لجميع الاديان. نقول ذلك لأن ثمة فكرة الان لدى حكومة نتنياهو تتعلق بان دولة يهودية الطابع تحتاج الى عاصمة يهودية الطابع تماما ومن هنا فكرة خلق ‘مدينة يهودية مقدسة’ خاصة داخل القدس العربية والبلدة القديمة بهذا الطابع ينسجم مع توجهات حكومة نتنياهو الحالية، بحيث يغدو مستقبل ما يسمى القدس العربية في الشطر الشرقي من المدينة من المشتركات السياسية بين اليهود والعرب وتغدو الأحقية التاريخية لليهود امرا واقعا فيما طرحت المدينة للتداول في سوق التفاوض.

يبدو ان اقتحامات المسجد الاقصى تأتي بعد ان فشلت الادعاءات المؤدلجة صهيونيا من إثبات وجود الهيكل تحت المسجد الاقصى بعد ما يزيد على مئة وخمسين سنة من الحفريات تحت وحول المسجد ومحيطه، فالبعثات العلمية أثبتت فشل كل محاولات البحث عن اثار تمت لما يسمونه الهيكل بصلة، لذلك فهم الان في مرحلة بناء وخلق ما يسمونه ‘اورشليم المقدسة’ من خلال مسارين: الاول تثبيت حق اليهود بالصلاة في جبل الهيكل كما يسمونه، والثاني خلق اثار لاورشليم المقدسة على هذا الجبل، ومن هنا نقرا الاقتحامات والتغولات غير المأذونة الا من سلطات الاحتلال المتواطئة تماما، فهؤلاء المقتحمون هم طليعة تنفيذ المشروع السياسي البغيض بمحاولاتهم الاستفزازية تعميق الكراهية من خلال وضع اقدام لهم هناك لعلهم يفلحون في خلق نظير لمحاولتهم في الحرم الابراهيمي الشريف الذي على ما يبدو لاتتوقف فكرة إعلان ضمه للتراث اليهودي فحسب بل على تسجيله على لائحة التراث العالمي ضمن المواقع التابعة للدولة العبرية في اليونسكو، وأكثر من ذلك فإن الاجواء باتت مهيئة لإشعال الحرب الدينية في المنطقة، فالسياق العام للصراع يؤكد ذلك خاصة بعد إكمال ما يسمونه كنيس الخراب في القدس الشرقية.

لقد أسست اسرائيل وفقا لسياسة التهويد اتجاها من شأنه أن يحسم مستقبل المدينة ويخرجها من دائرة التفاوض المُعلقة بخلق أمر واقع على الارض ،وكنا رغم رفضنا وتحفظنا على أي مفاوضات على المدينة ومستقبلها نترقب مفاوضات بشأنها كونها من قضايا الوضع النهائي، والآن لم يعد هناك أية فرصة لأية طروحات تفاوضية على المدينة، فالدولة اليهودية الاحادية على الأراضي العربية الفلسطينية تحتاج الى عاصمة أحادية، وبأحسن الاحوال سيتم فقط التفاوض حول مسؤولية إدارة المقدسات بصورة دينية تنظيمية دون اي بعد سياسي أو تاريخي.

rhyasen@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى