#الجن والخلويات ، والقصة حقيقية
تنشر للمرة الثانية
كانت #الخلويات قبل عقدين من زماننا المأسوف على حاضره وماضيه , درر وعقيق بين الأنامل عند أصحاب الغنى , فكانوا يشترون ذبذبات الأثير بتخمة جيوبهم , غير آبهين بضيق الصدور عند من يقرأون كتاب الزعبي : الحل الكامل , في تدبير الراتب الهامل , ومختصر القواعد في فرش الجواعد .
أخذت تلك #الهواتف من قرارات القمم عند بني يعرب غباءها , الى أن تناسلت في الظلام , والمهر من جيوبنا , فأصبحت بدهاء أعدائنا وذكائهم , وها هم أبناء البسطاء يتسابقون في شرائها , وقد نسينا المثل الذي يقول : اجريها عوج , وبدها بابوج . فغدت في أيادينا كالعقد على جيد الإماء . وها قد قطعنا صكوك الغفران لنزيف رواتبنا بقولنا المأثور : من كرمت عليه نفسه , هان عليه ماله . متناسين أن الكرامة نهدرها كل يوم ونحن نستدين , بين رغيف خبز وعلبة سردين .
مضت السنون , لتصبح الهواتف المحمولة منها والمشيولة , بوفرة الدم المسكوب على بياض المدن , بعد أن حلّ الخريف ضيفا على ربيع العرب , وهم في سبات , منذ شهقة البدء الى يوم يبعثون .
وكعادة الكادحين , فالسقم رفيق للفقر في حياة البائسين , وها هو أحد أبناء قريتنا قد تخبّطه الشيطان من المسّ , راجيا قراءتها بفتح الميم لا بكسرها , ففي الثانية خلود في قفقفا والجفر من السجون , أو صلحة بعد رصاصة من أقاربها , تردي قيس العرب , وقد أصابه من عشق ليلى الجنون .
كان هذا قبل ثمانية عشر عاما , لتبدأ رحلة التداوي دون جدوى , فتسارع القوم بين زائر وشامت , الى أن جاء فاضل من قريتنا ليس كباقي الحضور , فقد اصطحب المريض في جولة للرقية وقراءة القرآن , بعد أن خانته كل العقاقير , وأصبحت رواسب الدواء في جوف السقيم كالقصعة من الثريد .
قصدوا شيخا قد ذاع صيته كصاحب كرامات من زمن المعجزات , وما أن وصلوا حتى تعالت الأصوات من فلول المراجعين , تطالب عبر نواب العصر , بجهاز لتنظيم الدور , تماما كما تفعل البنوك يوم الحشر وقد نزلت رواتب الموظفين .
أعياهم طول الانتظار , والعليل هائج بداء يسمّونه : سجّل أنا عربي . أو متلازمة ( المهبول لأسباب أمنيّة ) كما هو الحال في بعض الأقطار , وقد فاتها من العدل كل حافلة وقطار .
جاء دوره أخيرا , بعد أن طلب الشيخ منهم رقم المريض الوطني بدلا عن اسم الأم في شرائع السماء , فشرع في قراءة ما تيسّر من القرآن بعد أن أطفأ الأنوار , وها هم ثلاثة من الحضور قد تشاركوا في مراسم تثبيت العليل .
تعسرّت مهمّة شيخنا الجليل , كمن يحاول ازاحة وزير عابر للحكومات في تعديل وزاري هزيل .
جلس الرجل الفاضل على فرشة يراقب المشهد مثل ضبّ صوّحته الشمس كما قال طالب عبد العزيز , ثم اتكأ على وسادتين بعد أن عصى الجنيّ كل السور والأدعية والطلاسم والآيات , وما هي الا ربع ساعة حتى شعر بارتجاجات من حوله كزلزال خفيف على قلب ريختر , لتعود من جديد بعد دقائق , حتى ظن صاحبنا أن الجن قد خرج من جسد العليل ليحلّ بمضاربه ضيفا ثقيلا , كجلسة الحماة , أو أكبر الإخوان بين الخاطبين .
صاح فاضلنا على الشيخ , وقد ارتعد فؤاده من خوف تارة ومن وجل تارة اخرى , ليخبره بما قد حدث , لكنّ للكرامات وقار . فلم يجب الا بعد حين , ليمضي الوقت عصيبا على الجميع , فهناك من طال انتظارهم وقد أحضروا ( وردة في مهب العجّة ) بعد عين قوية قد أصابتها وهي مصمودة على لوج عرسها , فخاب الرجاء بأن تنجب لهم معتصما أو صلاح الدين .
تنحنح الشيخ بعد فرار الجن من جسد الضحية وقال : يا رجل رحت ما تخرّب كل شغلي , اللي تحت المخدات تلفوني , وحاطّه عالرجّاج .