سواليف
مع احتدام النقاش حول حقيقة الاحتباس الحراري، يأمل السياسيون بأن يتم “استخدام العلم” للتغلب على عواقب التغيرات المناخية في المستقبل البعيد، ولكن البشرية تقترب بثبات من نقطة اللاعودة.
يقول الكاتب جايمس رولينز، والذي ألف أكثر من 30 رواية عن المخاطر التي تهدد الأرض، في تقرير نشرته صحيفة Daily Beast، “إن المشتبه به في كل رواياته كان طاغية يسعى إلى السلطة، أو عالماً يعيث في الأرض فساداً، أو أزمة نووية موقوتة، أو تهديداً إرهابياً عالمياً. “وكما هو الحال غالباً، نكون نحن أسوأ أعداء لأنفسنا في كثير من الأحيان. وهذا هو حال أحدث رواياتي – الطاعون السابع”.
وبحسب رولينز، فإن الرواية الجديدة تعالج التهديد الذي يلوح في الأفق عن تغير المناخ، بجانب تناوله احتمال “استخدام العلم” للخروج من هذه الأزمة.
يوضح رولينز أنه: “على مدى العقد الماضي، شهدنا الجدل الدائر حول ظاهرة الاحتباس الحراري يتغير من (غير حاصل) إلى (حسناً، إنه يحصل، ولكن ليس هناك الكثير الذي يمكننا القيام به)، وهذا الاستهجان من شخص عاجز هو مجرد درجة أخرى من الإنكار. أعتقد أن هذه المشاعر مدفونة في رغبة إنسانية لتأجيل ما لا مفر منه، أي، تأجيل عبور هذا الجسر وقتما نصل إليه”.
ولكن الحقائق تشير إلى أن التغييرات لا تنتظر أحداً، فشهر نوفمبر/تشرين الثاني كان الأكثر سخونة على الإطلاق، وأصبح الغطاء الجليدي لفصل الشتاء في القطب الشمالي تقريباً الأصغر حجماً من أي وقت مضى.
ومع كل ذلك الذوبان الجليدي، أصبحت الشركات السياحية تبيع مقاعد على متن السفن المقرر أن تبحر على طول الممر الشمالي الغربي، وهي رحلة كانت تعتبر خطرة جداً، بعد أن أدت إلى مقتل عدد لا يحصى من المستكشفين.
كما أعلن مختبر “Jet Propulsion Lab” مؤخراً أن ذوبان غرينلاند والغطاء الجليدي في غرب القطب الجنوبي يتسبب في إنحراف محور الأرض.
هل ينجح العلم؟
يراهن أتباع معسكر إنكار الاحتباس الحراري أن صوت العلم سيعلو في المستقبل البعيد لحل المشاكل التي يرفضون تصديقها الآن. والسؤال هو: هل حقاً يستطيع العلم إنقاذ كوكب الأرض وكيف؟
يوضح رولينز أن الحد من انبعاثات الكربون والتحول إلى مصادر الطاقة الخضراء ليست كافية، ويتطلب الأمر مشروعاً هندسياً ضخماً على نطاق عالمي، من أجل عكس اتجاه هذه التغيرات تحت عنوان “الهندسة الجيولوجية”.
ما هي المشاريع الهندسية الجيولوجية؟
يمكن تبسيط وصفها بأنها ضخمة، ومن المقترحات قيد الدرس حالياً إغراق “وادي الموت” في شمال كاليفورنيا لدرء ارتفاع منسوب المحيطات، أو تغطية غرينلاند ببطانية عاكسة للشمس للحد من ذوبان غطائها الجليدي، أو بناء درع شمسي على مساحة 100,000 ميل مربع مكوّن من تريليونات العدسات الصغيرة التي يمكن أن تحرّف جزءاً من أشعة الشمس.
وانضم بيل غيتس إلى وكالة ناسا لدراسة جدوى إطلاق مياه البحر إلى السماء بهدف زيادة الغطاء السحابي كوسيلة لحجب كوكب الأرض عن الشمس.
لكن تكاليف هذه المشاريع “فلكية”، وتتطلب تعاوناً دولياً، إذ أن مشروع ناسا لرش مياه البحر، على سبيل المثال، يتطلب ألفي سفينة بتكلفة 7 مليارات دولار، دون وجود أي ضمانات لنجاحه.
جنون العظماء
بدورهم أطلق النرويجيون مصطلحاً على مثل تلك المشاريع وهو stormannsgalskap أو “جنون العظمة”. وبينما كان الهدف من المصطلح بداية هو الذم، يبدو أنه سيتحول إلى وسام فخر في المستقبل.
فإذا استمرّت معدلات الكربون في الارتفاع دون رادع، يحتاج العالم إلى ابتكارات رائدة جديدة، وجهود أفراد مستعدين لمجابهة الحكومات في التصدي للأزمات واتخاذ القرارات الحاسمة.
حتى وإن أمكن تمويل وتنفيذ تلك المشروعات الجيوهندسية العملاقة في المستقبل، يبقى السؤال إذا ما كانت حقاً نافعة أم أن لها وجهاً آخر، فالحديث عن التحكم في المناخ من خلال مشروع هندسي يعني العبث بآلاف العوامل التي قد لا نريد أن نعبث بها، إذ أن خطوة واحدة خاطئة، تتسبب في خراب كل شيء.
وقد أجرى فريق من الباحثين الدوليين، نماذج لكثير من التجارب الجيوهندسية العملاقة المختلفة واستنتجوا منها أن تلك المساعي قد تتسبب في عواقب كارثية غير مقصودة، كارتفاع معدل ظهور الكربون مرة أخرى فور توقف المشروع!
لذا فالمشاريع الجيوهندسية تُعد سيناريو خاسراً في جميع الأحوال، ويمكن القول أننا لن نتمكن من تأمين طريق “علمي” للخروج من مأزق تغير المناخ. وعلينا من الآن التصرّف بحكمة ورويّة فيما تبقى لنا من وقت بدلاً من انتظار النهاية.
وبدلاً من أن نطيل البحث عن مشروعات جيوهندسية لا تقل حجماً ولا استحالةً عن العنقاء، فلننظر لما بين أيدينا، ولنحسن استخدامنا لما توصّلنا إليه من “علوم” مازالت سهلة التصرّف: كتطوير الطاقة الشمسية، وجعل الطاقة النووية أكثر أمناً، وتصنيع نوعيات أفضل من البطاريات، وترشيد الصرف على مشاريع تحلية مياه البحر، وزيادة الاستفادة من الوقود الحيوي
ربما يتمكّن العلم من إنقاذنا، ولكن فقط إذا بدأنا التحرّك الآن.