الجزائر .. مخاوف من إعادة انتاج النظام

سواليف
وصلت الأزمة السياسية في الجزائر إلى “عقدة الحلّ”، إذ يستعد البرلمان بغرفتيه الثلاثاءالمقبل للتصويت على شغور منصب رئيس الجمهورية، استعدادا لتعويضه مؤقتا برئيس مجلس الأمّة. لكن هذا الخيار، على دستوريته، يبقى بعيدا جدا عن ما يرفعه الحراك الشعبي الذي لا يريد تسيير المرحلة الانتقالية بالوجوه القديمة.

وانتقل تناول الدستور الجزائري خلال الأسبوعين الماضيين، من دائرة المختصين في الجامعات إلى الفضاءات العامة ووسائل الإعلام، نتيجة الاهتمام الشديد بالمآلات الممكنة للأزمة السياسية الحالية.
ولعلّ أشهر مادة يتحدث عنها الجزائريون هي التي تحمل لرقم 102، والتي تنص على ترتيبات انتقال السلطة في حالات مرض رئيس الجمهورية أو وفاته أو استقالته كما حدث مع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. واشتهرت هذه المادة خصوصا بعد أن دعا لتطبيقها الرجل القوي في النظام حاليا، رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح.

مخاوف كبيرة

غير أن هذه المادة الدستورية التي استثارت فضول الجزائريين للاطلاع على محتواها، باتت في الوقت ذاته تثير مخاوف كبيرة بسبب قيودها الشديدة وإتاحتها هامشا محدودا جدا من الحلول التي يمكن أن ترضي مطالب الحراك الشعبي. وتبلغ مخاوف البعض مداها، من كون هذه المادة الدستورية تسمح في الواقع للنظام بإعادة إنتاج نفسه.

وفي الجمعة الأخيرة، عبر الجزائريون بوضوح عن رفضهم لاستمرار من وصفوهم بـ”الباءات الثلاث”، نسبة إلى حروف بداية أسماء، كل من رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح والوزير الأول نور الدين بدوي ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، وهؤلاء الثلاثة في الحقيقة يشكلون أعمدة تطبيق المادة 102.

ووفق المادة لا يمكن لغير رئيس مجلس الأمة أن يكون رئيسا بالنيابة، بينما لا يوجد في “دكة بدلاء” عبد القادر بن صالح أسماء أخرى من أعضاء مجلس الأمة عليه إجماع، في حال قرر الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي واستقال.

أما الوزير الأول بدوي، فلا يمكنه وفق المادة 104 من الدستور أن يقدم استقالة حكومته، ما يعني ضرورة بقائه وحتى رئيس المجلس الدستوري، لا يُمكنه الاستقالة حاليا لأنه لا توجد جهة يمكنها استقبال هذه الاستقالة.

حل أزمة في ذاته

لذلك، أصبح هذا الحلّ الدستوري أزمة في حدّ ذاته، كونه لا يحقق الغاية من الحراك الشعبي الداعي لتغيير النظام، فضلا عن كون تطبيق هذه المادة سيدفع باتجاه انتخابات رئاسية في ظرف ثلاثة أشهر دون تغيير في قانون الانتخابات ودون إنشاء هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات، ما يُبقي احتمال التزوير قائم لصالح مرشح النظام.

وعلى هذا الأساس، قررت العديد من أحزاب المعارضة، مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية وجبهة العدالة والتنمية الإسلامي، مقاطعة جلسة الثلاثاء المقبل، فيما تنادي أحزاب أخرى غير ممثلة في البرلمان، مثل طلائع الحريات الذي يرأسه علي بن فليس، بإرفاق تطبيق المادة 102 بحل سياسي يتيح الذهاب إلى فترة انتقالية من 6 أشهر تُمكن من وضع أسس انتخابات نزيهة.

في المقابل، ستكون أحزاب الموالاة التي كانت تدعم الولاية الخامسة، وحيدة في البرلمان للتصويت على نهاية عهد الرئيس بوتفليقة بعد إعلان غالبية أحزاب المعارضة عدم الحضور، وسيضمن حزب جبهة التحرير الوطني (حزب الرئيس سابقا) وحزب التجمع الوطني الديمقراطي وحزب تجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية، لوحدهم النصاب الكافي لانعقاد الجلسة.

وفي هذا السياق، يرى رئيس كتلة نواب حركة مجتمع السلم سابقا (أكبر أحزاب المعارضة في البرلمان،ناصر حمدادوش أن “تعنت السلطة بفرض عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا للدولة، ورفضها التجاوب مع الإرادة الشعبية، هو ما سيزيد التوتر والاحتقان والرفض الشعبي”. ويُخشى إذا ما فرضت المادة 102 بالوجوه التي يرفضها الشارع، أن يؤدي ذلك إلى صدام مع المتظاهرين.

وفي حديثه لـ”عربي21″ يرى حمدادوش أن بن صالح “لا يمكنه أداء مهامه وهو مرفوض بهذا الشكل”، مشيرا إلى أن حزبه “يترقب المستجدات وأهمها استقالة بن صالح”.

أما عن جلسة البرلمان، فيشير إلى أنه “إجراء شكلي فقط لأن المجلس الدستوري هو يثبت حالة الشغور النهائي لمنصب الرئيس في حال استقالته”.

وفي تحولّ لافت، أصبحت أحزاب الموالاة السابقة تصطف بشكل واضح مع قيادة الجيش، من حيث تأييدها لكل القرارات الصادرة عنها، في حين بدأت أحزاب المعارضة تتخوف من تحكم المؤسسة العسكرية في تسيير المرحلة المقبلة، باعتبارها اللاعب الرئيس في المشهد الحالي.

مناورة للجيش

إلى ذلك يذهب الخبير القانوني مولود بومغار، إلى أن تطبيق المادة 102 “هو مناورة ضحت فيها القيادة العليا للجيش بالرئيس بوتفليقة، لكي لا تغمرها موجة الحراك الشعبي”.

ويوضح في حديثه لـ”عربي21″ بالقول: “حاليا ما نراه هو محاولة تمديد العهدة الرابعة لبوتفليقة بدون بوتفليقة، والتمديد سيتم مع بن صالح وهو من زمرة الرئيس”.

وختم بالقول: “إذا نجح النظام في تنظيم الانتخابات رئاسية في ظرف 3 أشهر، فسيكون حينها قد انتصر على الحراك الشعبي، لأن تغيير رئيس الجمهورية لا يمكننا اعتباره تغييرا للنظام”، وفق تعبيره.

عربي 21

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى