الجامعة الأردنية .. قرار حازم ولازم

الجامعة الأردنية .. قرار حازم ولازم
أ. د أحمد العجلوني
أكاديمي وخبير اقتصادي

قام مجلس أمناء الجامعة الأردنية نهاية الأسبوع الماضي باتخاذ قرار بفصل 21 عضو هيئة تدريس من كادرها التدريسي بسبب انعدام النتاج العلمي، وإنفاذاً لتعليمات أعضاء هيئة التدريس التي تنص على أن “خدمة عضو الهيئة التدريسية تنتهي حكما إذا سبق وثبت في الخدمة الدائمة في الجامعة ولم ينشر، أو يقبل له للنشر بحث واحد على الأقل خلال آخر خمس سنوات ما لم يكن يشغل مركزا إداريا خلالها”. وقد شمل هذا الفصل رتباً علمية مختلفة (أستاذ وأستاذ مشارك وأستاذ مساعد). ومع ترجيح أن بعض من فصلوا قد لا يتأثرون كثيراً من هذا القرار، وأنه لن يؤثر على المجموع الكلي للكادر التدريسي للجامعة، إلا أنها تبقى خطوة رمزية ورسالة إيجابية للغاية.
يكتسب قرار الفصل هذا أهمية كبيرة من عدة نواح، فهو صادر عن الجامعة الأم التي يقتدى بها، ما يعني احتمال قيام الجامعات الأخرى بإجراءات مماثلة عمّا قريب لتجويد نوعية أعضاء هيئة التدريس. وهو مهم لأنه يبعث رسائل حازمة للكادر التدريسي في الجامعة الأردنية وغيرها من الجامعات بأن الشهادة العلمية ليست حصناً منيعاً ولا صك غفران لحاملها بأنه قد ختم العلم وضمن المستقبل الوظيفي والمركز الاجتماعي. بالإضافة إلى أن القرار تذكير بأن الدكتوراه ما هي إلا بداية طريق الاحتراف في التعليم والبحث العلمي وخدمة الوطن وأبنائه. وأن الترّقي إلى رتبة علمية لا يعني الركون إليها والتكاسل عن البحث والدراسة.
كذلك يكتسب القرار أهميته بأنه يمثل خطوة مهمة في الحفاظ على سمعة الجامعات الأردنية، لا سيما وأنها تخلفت عن ركب المنافسة العالمية والإقليمية، إذ سبقتها الكثير من الجامعات التي نشأت بعدها في الدول العربية المجاورة بأشواط عديدة في مجال النشر والبحث العلمي والتميّز بالاعتمادات العالمية، وهذا -للأسف- ما لم تدركه الجامعات الأردنية إلا حديثاً. وحتى تتقدم الجامعات الأردنية في التصنيفات العالمية وتحصل على الاعتمادات الأكاديمية الرفيعة فإنها يجب ألا تكتفي بالحد الأدنى من النشر العلمي، بل إنه بات من الضروري الاهتمام بغزارة النشر وجودته من حيث نوعية المجلات العلمية وتصنيفها؛ وهو ما قامت به الجامعة الأردنية مطلع العام الماضي، وصار يعمل به الآن في أغلب الجامعات الأردنية.
إن هذا القرار -إذن- رسالة واضحة بأن مصدر الشهادة ليس هو المقياس الوحيد لضمان أن يكون حاملها عضو هيئة تدريس ناجح، لأن وزن حامل الدكتوراه وقيمته العلمية تتضمن النشر العلمي الرصين بالإضافة إلى وظيفة التدريس وما يقدّمه للمجتمع من مساهمات في مجال تخصصه، وهو ما يعمل به في الجامعات المتقدمة في مختلف دول العالم وينادى به منذ فترة طويلة في الأردن. وخير دليل على ذلك مساهمة أعضاء هيئة التدريس الأردنيين من خريجي الجامعات الأردنية والعربية بأبحاثهم المتميزة وجهودهم البارزة في مجال الاعتمادات العالمية في جامعات دول الخليج العربي، (على الرغم من أن كثير من هؤلاء -وللأسف- هم ممن تم “تطفيشهم” بحجج ومبررات غير علمية ولا موضوعية؛ ويعلمها أصحاب القرار الأكاديمي في البلد). فلئن كان التقصير في النشر العلمي هو السبب الأساس في فصل مجموعة من المدرّسين؛ فإن هذا أدعى لأن تعطى الأولوية للقدرة والتميز في البحث في التعيين بدل الاعتماد فقط على مصدر الشهادة كما يجري الآن. عندها سيكون هذا القرار جريئاً متميزاً نتمنى أن تبادر إليه جامعاتنا الوطنية وفي صدارتها الجامعة الأردنية.
وبمناسبة هذا القرار الرشيد والحازم للجامعة الأردنية فإنني أدعو مجلس التعليم العالي وإدارات الجامعات لوضع أسس علمية وشفّافة للإيفاد ابتداءً، ثم لتعيين أعضاء هيئة التدريس وترقيتهم بعدالة واستقلالية، وأن يتم إسناد المناصب الأكاديمية بناء على أسس علمية وديمقراطية كما يتم في الجامعات العالمية الراقية. إضافة إلى “تكريم” من تجاوزوا السبعين من العمر باعتبارهم أساتذة شرف ومستشارون فقط، لتجديد الدماء بفسح المجال للكفاءات العلمية الشابة بدل أن يخسر البلد طاقاتهم ومعرفتهم الجديدة فيضطرون للسعي نحو العمل في دول أخرى.
حفظ الله الأردن من كل شر؛ وأدام ازدهاره

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى