الجامعات الأردنية… عقول المدن ونبض المستقبل

#الجامعات_الأردنية… عقول المدن ونبض المستقبل
بقلم الأستاذ الدكتور يحيا سلامه خريسات

في صباح كل يوم، ومع دقات الساعة الثامنة، تبدأ شوارع عمان وإربد والزرقاء وغيرها من المدن بالامتلاء بالحركة. حافلات تقل الطلبة، مقاهٍ تستقبلهم على عجل، ومحال تجارية تنشط مع بداية الدوام الجامعي. الجامعات هنا ليست مجرد مؤسسات تعليمية، بل هي شرايين حياة تضخ النشاط في المدن، وتؤثر في ملامحها الاقتصادية والاجتماعية.
لكن خلف هذا الحضور النابض، تختبئ أسئلة صعبة عن واقع التعليم العالي، وعن التحديات التي تواجه هذه المؤسسات، والعلاقة الملتبسة بينها وبين محيطها الحضري.

من يتجول في محيط الجامعة الأردنية أو جامعة اليرموك أو غيرها، يلمس مباشرة الازدحام المروري، وضغط البنية التحتية، وتكدس الطلبة في القاعات. التوسع في إنشاء الجامعات وتكرار التخصصات بين المحافظات، دون تميّز نوعي، جعل كثيراً من البرامج الأكاديمية مشبعة، بينما تبقى بعض التخصصات التقنية والمهنية في حالة عطش للطلبة.

الأمر لا يقف هنا؛ التمويل المحدود وديون الجامعات التي تتجاوز مئات الملايين، وضعف الإنفاق على البحث العلمي، كلها عوامل كبّلت حركة التطوير. أما سوق العمل، فله رأي آخر، إذ لا يزال يشكو من فجوة بين مهارات الخريجين واحتياجاته الفعلية، لتبقى شهادات كثيرة بعيدة عن التطبيق العملي.

الجامعة ليست فقط أسواراً ومباني، بل هي قلب نابض داخل المدينة. نجاحها أو تعثرها يترك أثراً مباشراً على الحركة التجارية، والعقارات، وحتى على المزاج العام لسكان المنطقة. ولعل غياب الشراكة الحقيقية بين الجامعات والبلديات، جعل كثيراً من الفرص التنموية تضيع بين الأوراق والروتين.

خبراء التعليم يرون أن الطريق إلى الإصلاح يبدأ من الاستقلالية المؤسسية، بحيث تُمنح الجامعات صلاحيات مالية وأكاديمية أوسع، مع رقابة شفافة على الأداء. كذلك، فإن إعادة هيكلة البرامج الأكاديمية وربطها بسوق العمل، ودعم البحث العلمي بتمويل حقيقي لا يقل عن 1% من الناتج المحلي، خطوات لا تحتمل التأجيل.

ولا بد أيضاً من فتح أبواب التعاون مع القطاع الخاص، وإنشاء مراكز ابتكار وحاضنات أعمال داخل الحرم الجامعي، ليصبح الطالب شريكاً في صناعة الحلول، لا متلقياً للمعلومات فقط.

إذا أردنا أن نرى جامعاتنا بعد عقد من الزمن في مكانة مرموقة إقليمياً وعالمياً، فلا بد أن تتحول إلى مراكز حضرية متكاملة، تؤثر إيجابياً في محيطها من خلال مشاريع خضراء، وخدمات تعليمية وصحية، وفرص عمل مباشرة للمجتمع المحلي.

إن الرهان اليوم ليس فقط على قاعات المحاضرات، بل على قدرة الجامعة على أن تكون عقل المدينة وقلبها النابض، وأن تصنع نموذجاً أردنياً ملهماً للتعليم العالي، يوازن بين جودة المخرجات والتأثير الإيجابي في الحياة اليومية للمجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى