ليس للبيع أوالمبادلة

ليس للبيع أوالمبادلة
د. هاشم غرايبه

سألني أحد مراكز إستطلاع الرأي الذي يبدو أنه يعد دراسة عن الإنتخابات النيابية التي ستجري في الأردن بعد أسبوعين جملة من الأسئلة، بدأها: هل تعرف موعد الإنتخابات، فأجبته: أعرفه ليس لأنني متابع للحملات الإنتخابية بل لأنني متابع للقضايا العامة، وأنا كمعظم الأردنيين لن نشارك بالإنتخاب، ليأسنا من إمكانية وصول نواب للوطن الى مجلس النواب، فالقانون والإجراءات التي تجري بها الإنتخابات في الأردن أو في باقي أنظمة سايكس بيكو لا توصل الا ذوي الطموحات الشخصية، سواء كانوا نواب خدمات أو ممثلي عشائر.
هذا البرود الشعبي الطاغي على المشهد، رغم الحملات الإعلامية الرسمية الساذجة لحث الناس على الإنتخاب، اراح الأجهزة الأمنية التي كانت تستنفر في مثل هذه المناسبات، فبعد أن ضمنت إبعاد بضعة نواب كان لهم في مجلس النواب الماضي أصوات معارضة، لم تعد تخشى شيئاً، لذلك لا تجد أحدا يهتم إن نجح شهاب الدين أم أخوه، فتركيبة المجلس صارت معروفة، هنالك في العادة ما بين 80 – 90 جاءهم القبول الأولي كونهم من جماعة (الألو) أباً عن جدّ، وسينحصر التنافس بين 20 -30 من الحالمين بالإنضمام الى هذه الشبكة، ولن يسمح بوصول غير 10 – 15 ممن هم خارج تغطيتها (الإسلاميين)، لتكون مثل رشة الفلفل على الطبخة الدالعة.
هذا ما دعا الناس الى التساؤل: ما الحاجة الى مجلس نواب؟..ولماذا إصرار الدولة على هذا الديكور الذي لم يعد له لزوم بعد تفريغه من دوره الرقابي والتشريعي، ولماذا هذه المصاريف التي نحن في غنى عنها، وخاصة في الأزمة الإقتصادية المزمنة التي يعيشها الأردن!.
الحقيقة أن هذا (الديكور) ليس لغايات استرضاء الناس، فقد وصل الشارع الى درجة الغونمة التامة، أي القبول بكل ما يفرض عليهم، بل هو من باب لزوم ما لا يلزم من الشروط الشكلية للدول المانحة، لكي تدافع حكومات تلك الدول عن نفسها أمام معارضيها، فيما لو وجهوا لها تهمة أنها تدعم الأنظمة الشمولية ولا تضغط عليها للإلتزام بالحفاظ على حقوق الإنسان.
لقد أعلنت جهات استقصائية أن الحد الأدنى لكلفة الحملات الانتخابية هو مائة مليون دينار، وإذا قدرنا رواتب وتقاعد النواب بمثل ذلك، وأضفنا لذلك أن هذه الكلف سيستعيدها الناجح منهم من الأموال العامة، بشكل مياومات ومنافع أضعافا مضاعفة، وفوق ذلك رواتب وزارة التنمية السياسية والهيئة المستقلة للإنتخاب، الذين يتقاضون رواتب فلكية شهريا ولا يعملون شيئا طوال العام الا في موسم الانتخابات ..أي شهرا أو شهرين كل أربع سنوات مرة!!، سنجد أن كل مجلس سيكلف مليارا ونصف على الأقل.
أنا واثق أنه لو استطلع رأي الشعب فسيوافق بالإجماع على التنازل عن نصف هذا المبلغ لذوي النصيب المعلوم، مقابل الاستثمار الأمين للنصف الآخر في مشاريع وبنية تحتية نافعة للناس، كان أوقفها التذرع بنقص الموارد، ..بدلا من أهدار المليار والنصف فيما لا ينفع الناس ولا الوطن.
الملاحظات العامة على الحملة الإنتخابية الحالية، هي مزيج من المبالاة والسخرية، والتقييم المتفق عليه أنها بائسة بكل ما تحمله هذه الصفة من تشاؤم، إلا أنها على الأقل غير مثيرة للغيظ، فقد تجنب المرشحون هذه المرة رفع اللافتات العريضة بشعارات رنانة، بل كانوا أكثر واقعية فلم يرفعوا شعارا البتة، واقتصر الأمر على رفع صور لهم على الأشجار وأعمدة الإنارة، صارت مثارا للتهكم المسلي.
فكلها وجوه باسمة، لكن المسلي للنظارة هو ما تظهره هذه الابتسامة من شخصية المرشح فبعضهم يرسم ابتسامة بلهاء مستجدية، تكشف الخواء الفكري للشخص، فيما ترى لبعضهم ابتسامة صفراء خبيثة متوعدة الوطن بشر الجزاء، وآخر متجهم بسبب طبيعة وظيفته السابقة، حاول جهده الإبتسام فلم يفلح إلا بتخفيف شيء من تقطيبة وجهه المعتادة، ..لكن أكثر ما يجلب التندر صور مرشحات عن الكوتا النسائية، بعضهن وضعت صورة لها لا تطابق مظهرها الحالي، كونها ملتقطة من أيام الدراسة.
هذه اللامبالاة الشعبية الواضحة، ليس سببها غياب الوعي ولا علاقة لها بالكورونا كما يحاول جهابذة (التنمية السياسية) تفسيرها به، بل هي لانسداد آفاق الأمل بأي تغيير إيجابي على صعيد الوطن والأمة طالما أن النهج المتبع باق على ما هو، فترقيع الثوب المتهالك لا ينفعه إن كانت الرقعة زاهية اللون أم باهتة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى