
التّنجيم و #الأبراج .. حين يتنازل #العقل_العربي عن دوره
د. #لينا_جزراوي
من هِواية نسائيّة إلى ظاهرة عامّة
كُنت أعتقِد في البداية أن التنجيم وكشف الطّالِع هواية نسائيّة بامتياز ، استِنادًا الى مُشاهداتي للمُتصلات ببرامِج الأبراج وكشف الطّالع . وكان تفسيري لهذه الظاهرة مُرتبِطًا بضعف المرأة العربيّة، التي غالِبًا ما تكون تحت وصاية وتفتقِد مفاتيح التحكّم بحياتها.
لكن المشهد تغيّر ، إذ لم يعُد الرّجال بعيدين عن هذا العالم ؛ بل أصبحوا يُزاحمون النساء في طوابير قارئي الكفّ وباعة الأبراج على الفضائيّات. وكأن النّجوم تحمِل حلولًا أكثر مما تملكه العقول.
إنّ التّراجع الفِكري وتعليق الأمل على الغيبيّات بات واضِحًا هذه الأيّام في مُجتمعاتنا ، حتّى أني أزعُم أنّه أصبَح ظاهِرة عامّة . فهذا التحول لا يُمكن فهمه بمعزل عن حالة التّراجع الفِكري التي نعيشها.
فالعقل الذّي يُفترض أن يُوظّف في التّحليل والنّقد، قد تنازل عن دوره في مُجتمعنا ، وأصبح النّاس يُعلّقون آمالهم على قوى غيبيّة خفيّة خارِقة، قادِرة على تقديم الحلول. فهل تتخيّلون معي ، كيف أصبح الإنسان العربي اليوم ينتظِر أن يأتيه الفرَج من الغَيْب !!!! إنها صورة لمُجتمع يفرّ من مُواجهة أزماته، مُنتظِرًا أن يأتي الحلّ من خارِج هذا العالم، مُتناسيًا أن الحلول الحقيقة تكمُن بين يديه.
بين الواقِع والأوهام تُعدّ مُفارقة مُرّة أن تتراكم المُشكِلات ثمّ يرفع النّاس أعينهم الى السّماء بحثًا عن الفرج بين حركة الكواكب، وترتيب النّجوم، غير مُدركين أنّ الأفلاك لم تَكتُب لهم سوى ما يَزرعونه بأيديهم. إنّ التّنجيم لا يكشِف المُستقبل لكنّه يكشِف عن حجم اليأس الذّي وصل اليه العقل العربي.
حين نُعلّق مصيرنا على الأبراج، نُصبِح مثل سفينة تنتظِر أن تَرسُم لها الأمواج طريق النّجاة بدلًا من أن نكون نحن من يُحدّد وجهتنا ويصنع المُستقبل. لا يُمكن للإنسان أن ينتظِر الفرج من الأبراج أو التنجيم ، فالمُستقبل الحقيقي يُبنى بالعقل والعمل والإرادة. واذا أردنا تغيير واقعنا ، علينا أن نُغلِق أبواب الوهم، ونفتح نوافذ العقل على مِصراعيها.
فالأبراج لا تحلّ الأزمات، لكنّها تكشِف عن حجم عجزنا .