
#التوحيد_والعبودية
مقال : 21 / 7 / 2025
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
في كتاب: “كيف تفقد الشعوب المناعة ضد الاستبداد”، وكتبه ثلاثة من الباحثين هم: هشام علي حافظ وجودت سعيد وخالص جلبي، يتناولون رسالة قيمة عنوانها “العبودية المختارة” كتبها المفكر الفرنسي (لابواسيه) في القرن السادس عشر، ولم تنشر إلا بعد موته بثلاثمائة سنة، لأن الجو السائد في زمنه لم يكن ليحتمل تلك الأفكار الإنسانية التي طرحها.
يتطرق هذا الكتاب لقضية تشغل بال كل من يهمه هم أمتنا، ويبحث عن سبل الخلاص مما آلت إليه حالها.
يصنف “لا بواسيه” الطغاة الى ثلاثة أصناف حسب أسلوب وصولهم الى الحكم فيقول: “البعض يمتلك الحكم عن طريق انتخاب الشعب له، والبعض الآخر بقوة السلاح، والبعض الثالث بالوراثة المحصورة في سلالتهم. فأما من انبنى حقهم على الحرب فهم يسلكون كأنهم في أرض محتلة لا يمتون لها بصلة، وأما من ولدوا ملوكا فهم ينظرون الى الشعوب الخاضعة لهم نظرتهم الى تركة من العبيد فيتصرفون في المملكة كما يتصرفون في ميراثهم، وأما من ولاه الشعب مقاليد الدولة فينبغي أن يكون احتماله أهون لولا أنه ما أن يرى نفسه يرتقي مكانا يعلو به الجميع وما أن تستغويه العظمة، حتى يعقد النية على ألا ينزاح من مكانه أبدا، وعندها يبز سائر الطغاة في جميع الرذائل بل في قسوتهم ايضا، فيسلك سبيل مضاعفة الاستعباد وطرد فكرة الحرية”.
في الجزء الثاني من الكتاب يعقب فيه المفكر “جودت سعيد” على رسالة “لابواسيه”، فيطرح افكارا قيمة تفسر ما حار في فهمها، ويبين أنها أوردتها نصوص قرآنية، فيقول:
إن الإيمان بالتوحيد هو السبيل الوحيد للمساواة بين البشر، عندما تتحدد العبودية لله فقط فإن ذلك يعني ببساطة انتفاء عبودية انسان لإنسان آخر مهما كانت صفته، بل يتساويان في مدى انصياعهما لفكرة موحدة تمنح العدالة المطلقة للجميع بالقدر ذاته، ولا تقبل التفاضل بين الناس ألا بمقدار الالتزام بتلك الأسس الفاضلة الموحدة.
وإذا كان المبدأ القائم عليه الدين: (لا إكراه في الدين)، فمن باب أولى رفع الإكراه عن بقية الأمور وخاصة السياسة، لأن ما يأتي بالإكراه ليست سياسة وليست رشدا بل غيا، ولهذا سمي القادة السياسيون الذين جاءوا الى الحكم برضا الناس وموافقتهم بالخلفاء الراشدين، بينما لم يمنح هذه الصفة من جاء من بعدهم ممن تسلم الحكم بالوراثة.
كما أن الأخذ بمبدأ (تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم)، تؤسس للعلاقة المبنية على القبول بالآخر واحترام رأيه وفكره، ناهيك عن بناء القواسم المشتركة وما عليه التقاء، وليس ما يفرق ويبعد، إضافة الى منع الاحتكام الى موازين القوى التي تؤسس عادة للطغيان والتسلط.
في الجزء الثالث يسهم الدكتور خالص جلبي من خلال سبع عشرة مقالة نشرت في جريدة الشرق الاوسط مواضيعها تتناول آلية الاستبداد وكيفية التخلص منه، فيقول: “ان الاسلام أراد تحرير الانسان من فكرة المعجزة وامتيازات الأشخاص جميعا في أية خانة كانوا، من عائلة أو حزب أو طبقة أو طائفة أو جنس، وعمد الى كسر احتكار الكهان والسحرة والعرافين للمعرفة، للوصول الى انسان متحرر العقل غير معتقل، ومجتمع توحيدي متجانس بدون طبقات وامتيازات.
ويذكر أمثلة على تأليه البشر وتقديسهم: فرعون قديما، وستالين الذي قال عنه خروتشوف في عام 1956: من غير الجائز أن نرفع شخصا واحدا الى تملك صفات إله يعرف كل شيء ويفكر عن الجميع، والذي كان اعتقل سبعة ملايين انسان وقتل في عام 1938 نصف مليون انسان، كما يذكر تقديس ماو تسي تونج وكيم ايل سونج وغيرهم ممن طبعت ملايين الكتب في تمجيدهم.
أما القسم الرابع الذي كتبه هشام حافظ فهويحوي أشعارا جميلة لا يتسع المقام لذكرها.
بقي أن أشير الى أهمية ما اتفق عليه المفكرون الثلاثة، وهي أن “لابواسيه” لو كان عرف الإسلام، لما توقف عند الحيرة في كيفية انقاذ البشر من الطغاة وتحررهم من العبودية التي اختاروها بانقيادهم لشرورهم، فمنهج الله فقط لديه الإجابات الصحيحة، وليس في أي منهج بشري الحل.
الحل الوحيد هو في التوحيد، لذا جعله الله مرتكز العقيدة.
هي الوحيدة التي تساوي بين الناس، وتمنع تأليه البشر، فتوقف طغيانهم.