التوجيهي وامتحان القبول!!

التوجيهي وامتحان القبول!!
د. ذوقان عبيدات

مررنا بظاهرتين غريبتين هذه الأيام: التعليم والتعلم عن بعد، وامتحان التوجيهي، كنا ننتقد المدرسة الحالية جميعنا، ولم يكن يمدحها أحد! قيل فيها ما لم يقله المسلمون في الخمر، واتفق الجميع على أنها والجامعة تقدمان:

مناهج تلقينية لا ترتبط بحاجات الأطفال.
إدارة صفية متسلطة وحازمة وربما عدوانية.
طرق تدريس لا تجذب أحدا من الطلبة.
ثقافة تقليدية وقيم تمجد الطاعة والخمول والهدوء والتسليم والقبول، وترفض الخيال والشك، والمغامرة والإبداع، والبحث والتجريب.
وقيل أيضًا: إن كورونا فرصة لكي تتخذ الوزارات التربوية قرارات جريئة لنقل المدرسة الحالية والجامعة الحالية من وضعها الحالي إلى وضع جديد، وتم تحديد الانتقالات المطلوبة:
من مؤسسة ملتصقة بالجغرافيا والمكان، إلى مؤسسة في كل مكان.
من تفاعلات هرمية سلطوية، إلى تفاعلات شكلية أفقية.
من مناهج حقائق ومعلومات، إلى مناهج مبادئ ومفاهيم وتعميمات.
من الالتزام بمعلومات معيّنة، إلى إنتاج معارف وحلول جديدة.
وما أن هدأت عاصفة كورونا الأولى حتى عدنا دون أي نقلة جديدة. يرجع بعضنا ذلك إلى أن ما تم تقديمه من تعليم عن بعد كان ضعيفا، وقد يكون هذا صحيحا، فتجربة الوزارتين: التربية والتعليم العالي لم تكن بالمستوى المطلوب، استغل الصقور التقليديون وهم: جماعة التلقين والامتحانات فشل التجربة الوليدة، وطالبوا بالعودة عنها متناسين ما اكتسبناه من خبرة، وهكذا قرروا فتح المدارس والجامعات دون الإفادة – حتى الآن – من تجربة التعليم عن بعد، وعاد الجميع يتغزل بالمدرسة وتفاعلاتها، قلنا: التعليم عن بعد هو لغة المستقبل، وقالوا علينا أن نتقن الماضي والحاضر قبل الانتقال إلى المستقبل!! رجعنا عن التجربة الواعدة، وتمسكنا بالمستقبل ولا أمل لدينا إلّا بعودة الموجة الثانية من كورونا.
التوجيهي:
قلت مع المربي حسني عايش كل ما يجب أن يقال عن التوجيهي على مدى الثلاثين عاما الماضية، وإذا أردت تلخيص ما قلناه:
إنه امتحان إرهابي أودى بحياة عشرات من فشلوا فيه، إضافة لما يخلفه من توتر مجتمعي وعائلي وشخصي.
إنه امتحان أعاق تطور التعليم، حيث يتم عادة تكييف كل جهود المدرسة ومعلميها لتمرير الطلبة عبر الامتحان: فلا حوار ولا بحث، ولا نقد، ولا إبداع، لأن كل هذا لا علاقة له بالتوجيهي، وأذكر بتجربة اليوبيل التي دربت طلبتها المتفوقين جدًا على التفكير، وحين قدموا امتحان التوجيهي كانوا في ذيل قوائم النجاح.
إنه امتحان غير عادل، لأنه ساوى بين الأقوياء والضعفاء، وبين المدارس المركزية، ومدارس الريف والبادية، وبين من لديهم معلمون مؤهلون وبين من لم يروا المعلمين إلّا في الفصل الثاني، وساوى بين الفقراء ثقافيّا وماديّا، وبين الأغنياء، وساوى بين طلبة عمان وطلبة لم يروا عمان في حياتهم، وتداعى الإنسانيون للوقوف مع من سحقتهم عجلة المساواة لإعادة عدالة مفقودة، فاخترعوا مسميات ومكارم مثل أبناء العشائر والمناطق الأقل حظًا، خلقوا فرص عدالة ولكنهم انتهكوا المساواة، بعد أن كان العكس، أذكر بامتحان التوجيهي في لوحة عالمية لفنان أوروبي توضح اللوحة: فيلًا، وسمكة، وقردًا، وعصفورًا يقدم لهم المعلم امتحانًا عادلًا كان السؤال الأول فيه: تسلقوا هذه الشجرة!
يعرف المعلم أن السمكة لن تتسلق، وأن العصفور سيأتي بالعلامة الكاملة، وأن الفيل راسب!! ومع ذلك يصر على امتحانه احترامًا للمساواة! هذا هو الفكر الذي يدافع عنه أنصار وصقور الامتحانات: الطلبة كلهم كأسنان المشط، ليس لمدني على قروي ميزة إلّا بالنتائج.
لن أتوسع في نقد امتحان التوجيهي، فقد كتبت في هذا كثيرا، وقلت إنه غير إنساني وغير أخلاقي، ولا يجوز أن يحدد مصير الطلبة ومستقبل دراستهم في الجامعات!!
كان المجتمع مقتنعا بأن الامتحان غير عادل، وأن أبناءهم تعرضوا للدمار بسبب علامة أو ربع علامة على مقياس وزارة التربية التي لم تنجح يومًا في تقديم بديل عادل!!
التوجيهي والقبول في الجامعة.
نصت المادة 29 من قانون التربية والتعليم رقم 3 لعام 1994 على ما يأتي:
تجري الوزارة امتحانا عاما للطلاب في مناهج التعليم الثانوي الشامل، تمنح للناجح فيه شهادة الدراسة الثانوية العامة مبينًا فيها نوع التخصص.
إذن: لا علاقة مبدئية ولا غائية بين امتحان التوجيهي والقبول الجامعي.
ولكن ما حدث خلال الأعوام السبعين السابقة هو السير وراء عبارة كانت تكتب على شهادة الدراسة الثانوية الأردنية – المترك – وهي شهادة انتهت سنة 1960، كان يكتب لبعض الطلبة: (وتؤهله علاماته للدراسة الجامعية).
وما عدا ذلك لم يدّع أحد وجود علاقة بين نهاية المرحلة الثانوية وبين الجامعة، ومع ذلك بقي التوجيهي المعيار الوحيد للالتحاق بالكليات المختلفة، هناك اعتراف بأن التوجيهي:
مجموعة مواد دراسية منفصلة لا علاقة بينها، ومع ذلك يتأثر معدل الطلبة بما يحصلونه في كل مادة سواء لها علاقة بالتخصص الجامعي أو لا، وللتوضيح:
يحرم طالب متفوق في التوجيهي من الالتحاق بقسم التاريخ إذا كانت علاماته في الفيزياء أو الدين منخفضة، ويحرم طالب متفوق في البيولوجيا والفيزياء والكيمياء والرياضيات من دخول كلية الطب أو الهندسة؛ بسبب انخفاض علاماته في الدين والتاريخ!!
فأي منطق هذا! وأي عدالة تلك؟؟
وهكذا يحرم مئات الطلبة أو آلاف الطلبة من الالتحاق فيما يرغبون بسبب معدل لمواد دراسية غير ذات صلة فيما يرغبونه، لنتفق إذن: التوجيهي ليس معيارًا منطقيّا ولا أخلاقيّا لاعتماده أساسا وحيدا للدراسة الجامعية!! حتى لو سلمنا بعدالته – وهو ليس عادلًا – وإنسانيته – وهو غير إنساني – وجدّيته – وربما تمتع بقدر من الجدية – فهو غير مناسب لا من حيث المبدأ ولا من حيث النتيجة لاعتماده معيارًا للقبول!
أضيف إلى ذلك، أن الدراسة الجامعية ليست امتدادا للدراسة المدرسية، ولذلك لا يمكن القول: خياركم في التوجيهي، خياركم في الجامعة، فالدراسة الجامعية تختلف في متطلباتها عن المدرسة، ولذلك، علينا أن نفصل كليّا بين التوجيهي والجامعة، وهذا ما عمله وزير التربية والتعليم العالي – لا المجلس – لعدم وجود مجالس في بلادنا حتى مجلس الوزراء.
ماذا فعل الوزير؟ ولماذا أؤيد القرار؟
حتى لا يقال نفاق إلى وزير التعليم العالي، أوضح ما يأتي:
1 – قرار امتحان القبول كان قرارا فرديا لا مؤسسيا.
2 – القرار لم يخضع لحوار وطني!
ومع ذلك أنا أؤيد القرار بشدة وذلك للأسباب الآتية:
أولًا: إنه قرار إنساني أخلاقي، عمل على توسيع فرص الطلبة وتقليل قهرهم في الحصول على ما يرغبون فيه من تخصص، فالقرار يعطي بدائل ويصحح مواقف أفرزها امتحان التوجيهي.
ثانيا: إنه قرار أكثر عدلا، لأنه ركز على درجات الطالب في المواد ذات الصلة بخياره الجامعي، وبذلك قلّل كثيرًا من تدخل المواد ذات الصلة، وهذا دون شك تصحيح لظلم فرضه مجموع الطالب ومعدله في التوجيهي.
ثالثًا: إنه أضاف عنصرا ثالثا خارج نطاق التوجيهي وهو امتحان القبول الذي نأمل ألّا يكون تحصيليا وإلّا فقد معناه.
إذن: لم يسئ القرار إلى “قداسة التوجيهي” بل صحح نقصا فيه، وأضاف للقبول بعدا جديدا.
رابعا: فتح القرار الباب أمام تطوير – لو جزئي- للتعليم حين قلّل من دور التوجيهي في القبول الجامعي، طبعا أنا كنت آمل بتقليل دور التوجيهي وزيادة قيمة امتحان القبول، بل بامتحان قبول له صوت قوي جدا يفوق التوجيهي بكثير.
إن تقليل دور التوجيهي سيفتح الباب لتطوير التعليم، ونقله من التلقين إلى التفكير وهذا ما سيحرر المناهج والمعلمين والطلبة من ظلم تاريخي من تعليم محدود قائم على الحفظ والتذكر.
ما المطلوب؟
قرار وزير التعليم العالي فتح أبوابا عديدة:
الاجتهاد والبحث والجد والعمل لإنتاج أسس قبول جديدة للدراسة الجامعية، وهذا سينتج حماسة ودوافع للتربويين، لا لمجرد المختصين في القياس والتقويم. والمطلوب هو أن يقدموا أفكارا جديدة لقياس أهداف التعليم في بناء شخصية المتعلم.
وكما قلت، فتح الباب أمام حرية المعلم في التواصل مع طلبته ومناقشة قضايا حياتية والتفكير المستقبلي بدلا من حصرهم في الكتاب الذي سيمتحنون فيه في التوجيهي.
الحرية الأكاديمية لكل كلية وكل جامعة للعمل الشبكي لإنتاج أداوت قبول في كلياتهم، ولكي نحقق هذه الفوائد، فالمطلوب منا جميعا:
حوار حول تطبيق اختبار القبول ونوعه وآلياته وكيفية تطبيقه، فهذه أمور ما زالت في علم الغيب، والحوار هو ما سيكشف عنها.
تجريب الأدوات المنتجة في عدد من الكليات قبل تطبيقها.
إجراء دراسات بعدية عن سلامة الاختيار الجامعي الجديد، وإجراء التطوير المستمر عليها.
الطلب من متطوعين للتنافس حول بناء امتحانات قبول متعددة لمختلف الكليات، واختيار الأفضل منها.
-وأخيرا، لا مزايدة، فالتوجيهي يجب أن يتعدل أو يختفي كليّا، كفى تزييفا للعدالة باسم المساواة، وكفى إهمالًا للفئات المحرومة باسم موضوعية التوجيهي، وعلينا أن نعيد الاعتبار لتطوير التعليم بعيدا عن رعب التوجيهي.
إن تعديل التوجيهي أمر آخر، وعلينا أن نبدأ فيه، أما القبول الجامعي المنشود، فهو بداية لتطور حقيقي في التعليمين: العادي والعالي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى