التوجه لزيادة زمن الأنشطة التعليمية : تخطيط أم تخليط ؟
د. عمر مقدادي
تعّد عملية الإصلاح هدفًا متجددًا على جميع المستويات المحلية والعربية والدولية، ولا شك في أن عملية الإصلاح دائمة ومرتبطة بحاجات الفرد والمجتمع والحياة، ومجالاتها واسعة ومتعددة؛ لذلك فمفهوم الإصلاح شمولي؛ يشمل مجالات الحياة كافة، والإصلاح التربوي من أهمها، وذلك لتحقيق الانتماء الوطني والإصلاح السلوكي والقيمي وتلبية حاجات الفرد والمجتمع، ويتطلب الإصلاح إرادة سياسية ومشاركة مجتمعية مع تأكيد أهمية دور الإدارة في هذه العملية والمساهمة في إنجاحها، وإن أي عملية للإصلاح في المجتمعات والدول تبدأ بإصلاح التربية والتعليم، حيث تعمل عليها الدول لتحسين مخرجاتها ومتطلباتها ونواتجها وفق ثوابتها ومرجعياتها، وتسعى وزارة التربية والتعليم لتطوير العملية التعليمية لتشمل محاور عدة منها امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة ” التوجيهي” والمناهج بالإضافة إلى التوجه الأخير لتخصيص ما نسبته 20% من الوقت الدراسي لفعاليات ونشاطات خارج القاعة الصفية وداخلها، ستشمل نشاطات لامنهجية : ثقافية وفنية ورياضية وتوعوية، والعمل على تنمية الفكر والحوار وتقبل الرأي والرأي الآخر بطرق حضارية، ولا يخفى على أحد أهمية هذه الأنشطة التعليمية، بهدف التخفيف عن الطلبة من الأعباء الأكاديمية وإشغال وقت الطلبة في أنشطة تهدف إلى تنمية الفكر الحواري لديهم؛ للحد من ظاهرة العنف في مدارسنا، وهنا أجد من الضروري تسليط الضوء على هذا العنصر من عناصر التطوير الذي له أهمية بالغة على الطلبة وعلى النظام التعليمي والمجتمع الأردني وهو زيادة نسبة النشاط المدرسي إلى 20% وفق ما أشار إليه معالي الوزير.
إن المدرسة جزء من مكونات المجتمع تتأثر وتؤثر به، وهي ليست بمعزل عن المجتمع, فما يحدث في البيت بين الوالدين والأبناء وما يحدث في الشارع أو مكان العمل ينعكس بشكل مباشر على البيئة المدرسية، فظاهرة العنف في المجتمع هي ظاهرة سلوكية لا ترتبط بالتعليم وحسب، بل ترتبط بمجموعة من الأسباب تتمحور في أسباب اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية وتشريعية وإعلامية، فما نشهدة من تزايد لهذه الظاهرة في المجتمع لا يمثل حالة الضعف في التربية المدرسية وتعلم القيم والاتجاهات الإيجابية، فالمناهج التعليمية تزخر بالقيم والمهارات الحياتية في المباحث الدراسية كافة والتي تتضمن أنشطة منهجية تنسجم مع فلسفة التربية والتعليم وتتواءم مع حاجات الطلبة وتعلمهم في كل مرحلة وفي كل صف من الصفوف الدراسية، والتي تعمل على تحصين أجيال الوطن من المؤثرات والمظاهر والسلوكات السلبية البعيدة عن قيمنا العربية الإسلامية.
ليس كل ما يلمع ذهبًا، هكذا قال شكسبير فى مسرحيته (تاجر البندقية)، محذرًا من أن يذهب البريق الزائف ببصرنا وبصيرتنا، والمعادن لا تظهر على حقيقتها إلا فى الشدائد التى تصهرها ليبدو الخبيث من الأصيل، وهناك أشخاص كالحديد يساهمون فى بناء الحياة ويكسبون من دورهم الإيجابى واستعدادهم للحوار والتفاعل مع غيرهم من الناس، وهؤلاء أشخاص ينجحون فى بيوتهم؛ لأنهم اعتادوا على بناء جسور الترابط والتواصل، وهى أشياء تزيد من استقرار البيوت والشعور بالأمان، وعلى النقيض هناك أشخاص كالذهب من حيث اللمعان وليس لهم القيمة، يكتفون بالمظهر البراق على طريقة الجوهرة المصونة والدرة المكنونة، وهذا يقودنا إلى خصوصيات مجتمعنا ومتطلبات التعليم فيه، وأهمية وطبيعة الأنشطة التعليمية وتوظيفها في منظومة التعليم والتعلم بما يحقق غايات المتعلمين والمجتمع.
إن هذا التوجه نحو الأنشطة توجه إيجابي إذا ما أمكن تطبيقه على أرض الواقع وبالشكل المناسب والنسبة الملائمة، فالنسبة المئوية للأنشطة من الخطة الدراسية عالمياً تتراوح (2-4%) فقط، وهذا ما يمكن ترجمته الى (1-2) حصة أسبوعيًا، وعندما تكون جميع الظروف مواتية وتحقق متطلبات تنفيذه وداعمة له، ومنها: توفر البيئة التعليمية الحافزة والحاضنة والخدمات التعليمية والتمويل لتطبيق هذه الأنشطة، مثل الوسائل التعليمية والقاعات والصالات الرياضية والمراسم والملاعب والمواد التعليمية وأجهزة الحاسوب وتوفير شبكة إنترنت وأدوات وأجهزة المختبرات والأدوات الموسيقية وأدوات الرسم والبرمجيات التعليمية وغيرها، ولكن واقع الحال في مدارسنا الحكومية يعاني ويفتقر لكل الإمكانيات والموازنة المالية والمتطلبات التي تلزم لتنفيذ تلك النشاطات، هذا بالإضافة إلى نسبة ليست بالقليلة من المدارس مستأجرة، علاوة على ما للجوء السوري من تأثير في مدارسنا وفي منظومة التربية والتعليم برمتها، ما جعل معظم مدارسنا تعمل بنظام الفترتين الصباحية والمسائية بالإضافة إلى الاكتظاظ الكبير للطلبة في الصفوف سواء كانت في مرحلة الطفولة المبكرة ( رياض الأطفال ) أو المرحلة الأساسية وحتى الثانوية، فالمراسم والقاعات الحديثة المجهزة والمسارح تكاد تكون معدومة إلا في بعض المدارس الكبيرة التي أسست حديثًا مع أن كثير منها قد يستخدم في بعض المدارس كمستودعات. ولنكن واقعيين لنترجم الطموحات وفق الإمكانيات إلى واقع كي نتمكن من تطبيق توجهات التطوير فلا بد من إعطاء الأولوية للبنية التحتية لمدارسنا، إذ إن معظم المناطق في وطننا الحبيب بحاجة ماسة إلى مدارس جديدة وحديثة، حيث أصبحت المدارس الموجودة عاجزة عن استيعاب الزيادة السكانية الطبيعية أو اللجوء السوري، وهذه المدارس يجب أن تؤسس بحيث تشمل جميع الإمكانيات الحديثة والمطلوبة لإشغال الطلبة وتنمية مهاراتهم من صالات رياضية ومسارح وقاعات حديثة وغيره، كما يجب أن تتوافر فيها كل أساسيات البيئة الحافزة لإبداع الطلبة وممارسة النشاط الذي يرغبون به وفق ميولهم ورغباتهم وقدراتهم، مثل متطلبات التكييف والتدفئة والتبريد وغير ذلك.
إن ما يجب الحذر منه أن ينعكس تطبيق هذا التوجه سلبًا في حال قدر له أن يطبق، فبدلًا من الحد من ظاهرة العنف فإنها ستزيدها ولا سيما في ظل الوضع الراهن الذي يتمثل في افتقار مدارسنا للبيئة الملائمة لتنفيذ الأنشطة، التي من المفترض أن تقلل من احتكاكهم للحد من ظاهرة العنف المدرسي، وهنا لابد من الأخذ بنظر الاعتبار أن ظاهرة العنف المدرسي تعدّ نتيجة للعنف الأسري والمجتمعي الذي تتعدد أسبابه في مجالات مختلفة منها نفسية واقتصادية واجتماعية وتشريعية وسياسية وإعلامية وثقافية، بالإضافة إلى أن وزارة التربية والتعليم قد مرت بهذه التجربة بشكل جزئي في تخصيص حصة واحدة للنشاط وأندية التعليم ولم يكتب لها النجاح، بالإضافة إلى أن الأنشطة التي سيقبل عليها الطلبة ويرغبون في ممارستها ستتركز في بعض الأنشطة مثل الأنشطة الرياضية وعليه تحتاج إلى جهود إدارية إضافية وعدد من المعلمين المتخصصين، وتوفير متطلبات هذه الأنشطة وأدواتها ومتطلباتها، ومنها ما يتعلق بضرورة تدريب المعلمين والمشرفين التربويين وتأهيلهم لضمان تنفيذ تلك الأنشطة، كما أن تجميع الطلبة بعدد كبير في مثل هذه الأنشطة بهذه الطريقة يزيد من فرص الاحتكاك ويزيد من الفراغ لديهم مما قد يؤدي إلى بعض أشكال العنف بينهم، وعلى العكس فإن إشغال الطلبة بدروسهم وتحصيلهم العلمي والأكاديمي وتنويع المحاور والمباحث الدراسية المطروحة بما يتطلبه العصر لمواكبة المستجدات، والتي تتضمن مباحث دراسية متخصصة في مجالات هذه الأنشطة مثل: التربية الفنية والتربية الموسيقية والتربية الرياضية والتربية الاجتماعية والوطنية والتربية الوطنية والمدنية واللغة العربية واللغة الانجليزية والعلوم والثقافة المالية والتربية المهنية والتربية الإسلامية، وما تتضمنه من المفاهيم والمهارات والقيم الأخلاقية والمدنية والدينية وما يتضمنه محتوى هذه المباحث من أنشطة تعلمية معتمدة في المناهج والكتب المدرسية واجبة التطبيق داخل المدرسة وخارجها، كما أن كشف الميول والقدرات التعليمية وتنمية المواهب في مجالات متخصصة تحتاج من الوزارة توفير كافة التسهيلات في المجالات ولكل مدرسة ولكل طالب عملاً بمبدأ تكافؤ الفرص والعدالة التعليمية، مما يشكل عائق أمام تطبيق هذا التوجه في المدارس لتحقيق الغايات .
حفظ الله الأردن وشعبه الوفي.