التهديد الأخطر

التهديد الأخطر
د. هاشم غرايبه

أيهما أخطر على الأمة: الإرهابيون أم الطغاة؟
طرح هذا الموضوع ضمنيا في رد شيخ الأزهر “أحمد الطيب”على أسراف زعيم النظام الإنقلابي “السيسي” في التخويف من خطر الإرهاب، وإفراده إياه بالمسؤولية عن كل الشرور، فقال في كلمته التي ألقاها بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف: “إن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الظلم في خطبة الوادع ثلاث مرات، لأثره التدميري على الأفراد والأسر والدول والمجتمعات، وحذّر منه القرآن الكريم في 190 آية، كما حذر النبي منه في سبعين حديثًا من أحاديثه الشريفة”، فرد عليه السيسي بقوله: “لن تتقدم الأمم بهذه الطريقة، وان الإرهاب لن ينتهي سوى بتكوين قناعة ومناعة ضد الفكر المتطرف”.
لم ينشغل العالم في كل تاريخ صراعاته بقضية، مثل قضية انشغاله بقصة الإرهاب الإسلامي (كما تسميه أنظمة الحكم العربية)، أو الإسلام الإرهابي (بحسب تسمية الغرب)، ورغم أن التسميتين في النتيجة واحدة، فالمراد هو تجريم الإسلام بوصمه بأنه يدعو الى الإرهاب، إلا أن الأنظمة العربية تتوهم أنها تخدع شعوب الأمة بأن انخراطها في الحرب على الإرهاب تحت الراية الأمريكية، ليست معاداة لعقيدة الأمة، بل سعياً لتنقيتها من المتطرفين.
لقد بات واضحا أن الدوافع لشن ما سمي بالحرب على الإرهاب كانت بعيدة تماما عن المبرر المعلن، فقد حققت جملة من المصالح للدول المتحالفة، أبرزها:
1 – بعد عام 2008 وحدوث الهزة الإقتصادية الكبرى، كان النظام الرأسمالي على وشك الإنهيار، ورغم إسراع القوة الخفية (مثلث المال اليهودي) الى إنقاذ المصارف المتهاوية، إلا أن الإقتصاد العالمي المتقلقل أصلا، كلن يعاني من الركود، ولا شيء يحرك المصانع (وخاصة مصانع الأسلحة)، وينشط التجارة (وخاصة السوق السوداء)، مثل الأزمات العسكرية والحروب.
لذلك اعتاد العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، أن يصحو كل بضع سنين على أزمة تؤدي الى حرب أو قلاقل في منطقة، ولم تكن تنتهي أزمة حتى توقد أوار أزمة جديدة.
2 – رغم أن أمريكا وروسيا وبعض الدول الأوروبية، دول منتجة للنفط، إلا أنها تنظر الى دول (الأوبك) بشراهة وطمع، وتستكثر على هذه الدول أن تكون مكتفية اقتصاديا، وتريدها أن تبقى متخلفة تقنيا لكي تظل مستهلكة لمنتوجاتها، وشن هذه الحرب سيكون وسيلة ابتزازية بحجة تغطية نفقات الحرب، وذريعة لشفط مدخراتها ببيعها أسلحة وذخائر.
3 – يشكل انتشار الإسلام السريع في الغرب عموما، قلقا بالغا لكل المصابين بالإسلاموفوبيا، فكان شن هذه الحرب ضربة استباقية، أملوا من خلالها تخويف العالم من الإسلام، بتصويره بأنه فكر شرير، بل وأنه المصدر الوحيد للإرهاب، ومن ناحية أخرى قطع دابر الفكر الجهادي الذي يحمي الإسلام من أن يحولوه كما العقائد الزائغة، مجرد تأملات فكرية وقناعات شخصية، وبذلك يبعدونه عن هدفه الأساس بأن يكون منهجا تطبيقيا يصبغ حياة المجتمعات ويضبط سلوك الأفراد.
لكن الأنظمة العربية المستبدة وجدت ضالتها في هذه الحرب ، كونها أوجدت لها تبرير قمع المعارضين (الذين هم في أغلبهم إسلاميون)، وأما غير الإسلاميين فقد استمالتهم هذه الأنظمة، فأيدوا بطشها طمعاً أن ذلك سيضعف شوكة منافسيهم.
هذه الحالة كانت مثالية لازدهار الظلم، فأغرق الطغاة شعوبهم بالدماء بلا وجل من حسيب ولا رقيب، مما أوقع في الأمة أفدح الضرر، فالتنكيل أصبح مغطى بشعار محاربة الإرهاب، واستغلت الأنظمة الفاسدة هذه الحالة من جانب آخر بالتوسع في النهب والسلب لشعوبها.
هكذا نتوصل الى أن الإرهاب المصنوع من قبل عملاء تلك الأنظمة، وألصق بالإسلام زوراَ، ورغم بشاعته، فهو لم يلحق ضررا بالأمة، عشر معشار ما ألحقه ظلمها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى