التقارير السّنويّة ومزاجيّة المدراء في التقييم
د. عامر بني علي العياصرة
انتهى عصر الكتاتيب وانتهى معه التقييم الحقيقي لرسالة التّعليم احترامًا وهيبة ومكانة وتقديرًا للقائمين عليها_ المعلمون _ فطغى الظلم وقل العدل ورافق ذلك غياب المنظومة الأخلاقية بقيمها الدينية وأعرافها الاجتماعية ويتجلى ذلك في التقارير السنوية للموظفين عموما والمعلمين خصوصًا حيث يشكو الأغلبية من عدم نزاهة هذه التقارير فهي لا توضع بإنصاف وشفافية ومصداقية؛ فالمدير هو صاحب الصلاحيّة المطلقة في ذلك وتقييمه بلا أدنى شك يتأثر بعوامل متعددة تحكمها العلاقات الخاصة والمنافع الشخصية والواسطة والمحسوبية والشللية والعشائرية والعصبية والعنصرية والمجاملات والرشاوى فعملية التقييم لا تنم عن مستوى أداء للمعلم وعطائه فأصبحت بذلك أداة لأكل الحقوق وقتل الانجاز وستارا بألوان زاهية يخفي تحته تشوهات كبيرة في العلاقات لتؤكل بها الحقوق دون أدنى اعتبار وتقدير لقدرات المعلم ومؤهلاته وأنشطته ومبادراته وذلك باستخدام معايير تقييم واهية وغير منطقية عند السواد الأعظم من المدراء فلا يدري المعلم تفاصيل تقييمه ولا يطلع عليها إلا بعد فوات أوانها وثباتها بظلم محقق قد وقع عليه ومما يزيد من وطأة الظلم ما يشعر به المعلم من رؤية متكررة ومستمرة لمن هم أدنى منه التزامًاوقد حصدوا التقديرات العالية مما ولد لديه كرها وحقدا وضغينة وبغضاء مع إدارته و لم ينحصر أثرها فقط على ذلك بل يتجاوز ذلك إلى علاقة المعلم بزملائه فانتشرت بينهم الغيرة والغيبة والحسد والنفاق والرياء والكذب …الخ) .
وبذلك فأن التقارير السنوية قبل هذا وذاك هي في حقيقتها شهادة حق أو باطل سيسأل عنها المسؤول يوم القيامة ؛ فكيف لا يسأل والله يقول:( والذين هم بشهاداتهم قائمون)،كيف لا يسأل والله يقول:(ستكتب شهادتهم ويسألون) كيف لا يسأل والله يقول: (وقفوهم إنهم مسؤولون) كيف لا يسأل ورسولنا الكريم يقول في الحديث القدسي عن ربه: ( يا عبادي إنّي حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.. الخ).
فأي راحة واطمئنان لمظلوم أو مغبون هضم حقه أو ضيع عليه
بظلم وبإتباع هوى من مسؤول لا يخاف الله .
وبذلك يتضح أنّ معاناة التقارير السنوية بشهادة الزور الموقعة ممن لا يخاف الله في أمانته متجذرة ومتجددة وظلمها متأصل في لحظة غياب
_ غيبوبة_ للضمير تسلب فيها الحقوق وتعطى لمن لا يستحقها فيُقْتل بذلك الإنجاز والانطلاق والإبداع ودافعا للمعلم ليتعامل معهم بمكيالين لأن خطأ المعلم يوقعه بالعقوبة وهم فيها يزيدون ولا يرحمون وفي تقييمه ينقصون ويتجبرون فمطلوب منك أيها المعلم أن تقوم بوظيفة المدير والمساعد والمرشد والمناوب والمراسل والحارس والكاتب والمرافق والطبيب النفسي وغير ذلك الكثير ؛ فتميز المعلم عند المدراء يكون بترك المدرسة والطلبة لعمل لقاء هنا ولقاء هناك وغيرها من النشاطات التي لا تخفى علينا.
فالله لن يسأل عن اللوحات الجدارية بالتعاون مع البلدية ولا عن الزيارات الميدانية بالتعاون مع المجتمعات المحلية بل سيسأل ماذا قدمتهم للطّلبة الذين هم أمانة بين أيديكم قراءة وكتابة وحسابا فحقوقهم مجموعة بكلمة واحدة هي كلمة (حقك ) بمعناها التفصيلي الآتي: (ح- حسب) و (ق- قرأ) و(ك-كتب) .
نعم هي مفارقة عجيبة غريبة بكل ما فيها فمن يطلب منك الإبداع والتقدم والإنجاز هو نفسه قاتله؛ فإذا قمت بإجراء اختبارات أو أوراق عمل أو طلبت أدوات ومواد من أجل ذلك لا يزيدون عن التهرب و الاعتذار وتحميلك المسؤولية بقولهم: ( ما في مجال … ما في إمكانيات للتصوير ، جيب من جيبتك ورق للتصوير دبر حالك…الخ).
فمدراء المدارس بسبب شلليتهم وغياب مراقبتهم ومتابعتهم اهتموا بالشكليات والنشاطات على حساب التدريس فيصرفون ميزانية مدارسهم وإمكاناتها على النشاطات الخالية من الدسم الفكري و القيمي الذي يفترض وجوده في العملية التعليمية التي هي الأساس في كل شي وعندما تطلب منهم وأنت المعلم المهتم المنطلق المحترق قلم حبر أو ماعون ورق أو بضع وريقات _ بقصوا أيديهم ويشحدوا عليها _ .فالتقرير السنوي للموظف
شهادة يدلي فيها الرئيس بحق المرؤوس وحيث إن التقرير بشهادته هذه يترتب عليه ضياع حقوق وثباتها سيحاسب أو يثاب فعلى سبيل المثال لا الحصر المعلم المتقدم لوظيفة مشرف يشترط أن يكون تقريره في آخر سنتين ممتازا ناهيك أن هناك ترفيعات جوازية لبعض المعلمين يتقدمون فيها على غيرهم والسبب في ذلك تقاريرهم وحتى في التنافس لإشغال وظائف إدارية فعندما يتساوى الموظفون في كل شي يميزهم عن بعضهم من حيث المؤهل العلمي وعدد سنوات الخدمة والمعدل الجامعي والثانوية العامة وحتى في التقرير نفسه كونه ممتازا يلجأ للتمييز بينهم بدرجة التقرير الفعلية _ رقما_ فيقدم أحدهما على الآخر بذلك وهنا تكمن أهمية الدرجة في التقرير وأهمية أن يكون التقرير بجهد المشهود له لا بقربه من الشاهد.
فمن وضع من المدراء أو المديرات تقريره بغير حق فقد أكل بذلك حقوق الآخرين الذين سيكونون خصماء له عند الله يوم القيامة كيف لا وقد سلبوا حق احدهم وأعطوه لغيرهم ، ويصدق ذلك قول رسولنا الكريم : ( إنكم لتختصمون إلي وإن أحدكم ألحن بحجته من الآخر فمن قضيت له بحق أخيه فلا يأخذه فكأنما اقتطع له قطعة من النار).
وفي ضوء ما سبق يتبادر إلى الذهن جملة من التساؤلات التي تعد في حقيقتها توصيات وهي:
– لماذا لا نعطي للتقارير أهمية بالغة لاعتمادها مؤشرًا لترقية المعلم ورفع مستواه الوظيفي من رتب و ترقيات وحوافز وزيادات فتكون بذلك كالرتبة العسكرية التي لها امتيازاتها في تحسين وضعه الاقتصادي فلا تكون الرتبة محصورة بوصوله فقط إلى الدرجة الخاصة وباستنزاف عمره وصحته حتى يصل إليها وما دونها من رتب ليس لها أي قيمة مادية أو معنوية في ميدان التعليم.
– لماذا لا يشكل لجنه عند وضع التقارير يترأسها المدير ويكون المعلم طرفا فيها وأشخاص آخرين محايدين مثل المشرفين ويوضع تقريرهم أمام المعلم ويناقش فيه إيجابا وسلبا لنتجاوز بذلك الخلافات التي قد تنشأ بين المعلمين والإدارة ونبتعد عن الشللية والمحاباة .
– لماذا لا تعتمد التقارير على مدى سعي المعلم في تطوير ذاته وشهاداته ويراعى فيها مستوى التحصيل العلمي لطلابه في القيم والمبادئ التي يكتسبونها منهم مع مراعاة مدى تطبيق المعلم للأنظمة والقوانين المنظمة للعمل و مدى التزامه مع الأخذ بعين الاعتبار الواجبات التي تترافق مع مهنته كأن يكون مسؤول عن المختبرات أو مكلفا بأعمال إدارية أخرى .
وأخيرا يجب الفصل بين الإبداعات والأنشطة التي يقدمها المعلم وبين أنشطة المدراء لأن كثير من المدراء تقاريرهم تعتمد على أنشطة المعلمين وكفى بذلك ظلما وجورا وخصوصا إذا كان هؤلاء المعلمون قد أخذوا تقاريرًا متدنية من مدرائهم الذين حصلوا على أعلى التقارير استنادا إلى مجهود تلك الفئة المظلومة من أصحاب
التقارير المتدنية .
د. عامر بني علي العياصرة، مدرسة حسن الكايد المهنية الثانوية للبنين، جرش.
عضو نقابة المعلمين الأردنيين ورئيس لجنة التدريب والتأهيل _جرش_ سابقا.