التفكيك الممنهج للقضية الفلسطينية

#التفكيك #الممنهج للقضية الفلسطينية / #وليد_عبدالحي

ثلاثة أبعاد تشكل بنية القضية الفلسطينية، الارض( والتي اصبح 98.65% منها تحت السيطرة الاسرائيلية باستثناء 1.35% تتمثل في قطاع غزة)، والشعب الفلسطيني( ومجموعه 13.35 مليون نسمة، يعيش نصفهم تقريبا خارج فلسطين، ويخضع 85% ممن هم في داخل فلسطين للاحتلال في الضفة واراضي 1948، بينما حوالي 15% يعيشون في قطاع غزة تحت سلطة فلسطينية محاصرة بقدر كبير)، والبعد الثالث هو السلطة السياسية للمجتمع الفلسطيني وهي سلطة منقسمة انقساما حادا ومتعددا، فهناك حماس، وسلطة التنسيق الامني ، ومنظمة التحرير الفلسطيني، وسلسلة من القواعد التنظيمية المتداخلة ما بين قوانين اسرائيلية واخرى فلسطينية واخرى مشتركة بين الطرفين.
كانت المرحلة الاولى في تفكيك القضية الفلسطينية تتمثل في موجات احتلال وتوسع، بدأت عام 1948، ثم حكم عسكري 1967، ثم تحول تدريجي لمشاركة ادارية من زاويتين : تقسيم اراضي 1967 الى مناطق بعضها يخضع شكليا للسلطة الفلسطينية والآخر يخضع فعليا للسلطة الاسرائيلية والثالث مشترك لكن اليد الطولي لاسرائيل ، مع التنبه الى ان الجزء الاكبر هو الخاضع للسلطة الاسرائيلية.
بقيت السلطة التي تمكن المخطط الاسرائيلي من اجراء الخطوات التالية بخصوصها :
أ‌- تغيير الميثاق الوطني الفلسطيني
ب‌- التفكيك التدريجي لمؤسسات منظمة التحرير وتشكيل مؤسسات موازية وعلى اسس شرعية ودستور جديد
ت‌- تهميش المؤسسات الجديدة التي اعقبت تفكيك منظمة التحرير ، والاحتفاظ فقط بمركزية رئيس سلطة التنسيق الامني في اتخاذ القرار

المستقبل:
من الواضح ان التحلل من اتفاقيات اوسلو وما ترتب عليه هو من قبيل ” الحق الذي يراد به باطل”، إنه يؤسس لصناعة سلطة فلسطينية جديدة ذات طابع خدماتي بحت كمقدمة لخطوتين لاحقتين تريدهما اسرائيل خلال العشر سنوات القادمة:
1- التوسع التدريجي في الاستيطان والسيطرة على مصادر المياه والتضييق المتواصل على مرافق الحياة اليومية الفلسطينية.
2- مواصلة الضغوط لتوطين اللاجئين الفلسطينيين حيث يعيشون، والضغط على المتبقين في فلسطين باتجاه دفع نسبة كبيرة منهم لبيع الأرض وتشجيع دول الجوار والدول الغربية على استيعاب المغادرين
ومن الضروري التنبه الى ان هذا المشروع الصهيوني سيتم بعد تغييب أي اطار كياني فلسطيني يمثل الفلسطينيين، ولا استبعد ان تقوم سلطة التنسيق الامني باعلان حل السلطة الحالية على غرار ما جرى مع حكومة عموم فلسطين ليجد الفلسطينيون انفسهم دون رأس ودون جهة تمثلهم فتقوم هيئات اقليمية او دولية باجتراح حلول للموضوع الفلسطيني تحت ذرائع انسانية وغيرها في ظل غياب أي ” اطار سلطوي فلسطيني”.

ما الذي يعزز هذه الصورة:؟
1- الاختلال غير العادي في موازين القوى على المستوى المحلي( اسرائيل /فلسطين) والمستوى الأقليمي( العرب بعد تناحرات الربيع العربي وتمزق مجلس التعاون الخليجي وشلل اتحاد المغرب العربي وفوضى الجامعة العربية والتردي الاقتصادي وتراجع اسعار النفط والحروب المتواصلة في اليمن وليبيا والعراق وسوريا ، والانغماس في مواجهات جديدة مع اثيوبيا ومع تركيا ومع ايران …الخ) والمستوى الدولي( حيث البراغماتية الصينية والروسية في التعامل مع اسرائيل ، واقتصار المواقف الاوروبية على ” العتب” لاسرائيل، ..الخ) ناهيك عن التنامي المتسارع في العلاقات الهندية الاسرائيلية والعلاقات الافريقية الاسرائيلية، بل يكفي ان نعلم ان ثالث اكبر مشتري للسلاح الاسرائيلي عام 2019 هم احفاد ” هوشي منه” في فيتنام وبنسبة تصل الى 8.5%.
2- ان القوى السياسية العربية بخاصة الدينية منها لا تختلف في مستوى وعيها الاستراتيجي عن القوى السياسية العربية السابقة والتي سيطرت على الميدان السياسي العربي في العقود السابقة ، فالقوميون بعثيون وناصريون تناحروا مع بعضهم اكثر مما تناحروا مع اعدائهم، واليساريون العرب- ونموذجهم اليمن الجنوبي – فجروا بعضهم بقسوة متناهية، واليوم نرى الأخوان المسلمين يتوهمون ان الشريك التجاري الاول لاسرائيل في الشرق الاوسط وعضو حلف الاطلسي والغارق في حروب وتدخلات يطارد فيها الاكراد في العراق وسوريا وفي اراضيه هو من سينصر القضايا العربية، ويبدو ان العرب سيصنعوا اصطفافا جديدا..فمن جبهة ضد ايران تقودها السعودية والامارات الى جبهة ضد تركيا تقودها مصر في ليبيا بينما وتيرة التطبيع مع اسرائيل تتزايد وبشكل حتى الباحثين الاسرائيليين يتفاجأون بتسارعه. بل ان دراسة لمعهد الامن القومي الاسرائيلي ترى ان دول الخليج ستحتج على أي اعلان اسرائيلي بالضم لاراضي في الضفة الغربية ، لكن هذا الموقف سيستظل بمواصلة التعاون الامني بين هذه الدول واسرائيل لمواجهة ايران، ولن يعمل أردوغان على قطع العلاقات الدبلوماسية ووقف التجارة مع اسرائيل ايا كان الاجراء الإسرائيلي.
3- تشير الدراسات الاسرائيلية الى ان قنوات العلاقة الاسرائيلية الخليجية تمر عبر قنوات عدة اهمها :
أ‌- قنوات استخباراتية سرية
ب‌- قنوات اقتصادية تجارية
ت‌- قنوات الحوار الديني والثقافي
ث‌- قنوات رسمية ( بدأت بمكتب التمثيل في كل من قطر وسلطنة عمان )، ويرى باحث اسرائيلي ان
دول الخليج ستعمل على تخفيض العلاقات ” العلنية ” مع اسرائيل في حالة الضم مع ابقاء العلاقات السرية على وتيرتها، بل انها قد تغض الطرف عن علاقاتها مع اسرائيل الاقل لفتا للانتباه مثل السماح للطائرات المتوجهة لاسرائيل عبور اجوائها ، او التعاون التقني او البيئي.
وتواجه الدول الخليجية تآكلا في شعبيتها الى جانب تأكل مواردها، فتركيا عبر الاخوان المسلمين استقطبت شريحة غير هينة من الشارع العربي، بينما استقطبت ايران قطاعا آخر من الشارع، ومن كان حليفا عضويا لدول الخليج( الاخوان المسلمين زمن الناصرية) اصبحوا لدى امراء الخليج ” تنظيما ارهابيا” وتجري الاعتقالات في صفوفهم على قدم وساق.
4_استحالة تحقيق وحدة وطنية فلسطينية: إن قبول حماس بالتسوية او بأي قدر منها يعني نهايتها واصطدامها مع الجهاد الاسلامي، اما قبول فتح لتبني أدنى اشكال المقاومة سيعني طرد اسرائيل لها من الزمان والمكان الفلسطيني في وقت جفت مواردها وانتهى دورها الوظيفي من المنظور الاسرائيلي. وفي ظل هذه الصورة سيكون الجسد السياسي الفلسطيني دون رأس، وليس صدفة ان تغيير ميثاق منظمة التحرير وانشاء سلطة التنسيق الامني تبعه في عام 2018 حل المجلس التشريعي من قبل رئيس سلطة التنسيق لانه رأى فيه الموقع السلطوي الاكثر اهمية لمشروعية حماس، وأتبع ذلك في عام 2019 بسحب موظفي السلطة من معبر رفح مما جعل مصر تعود لاجراءاتها السابقة واغلاق المعبر بين الحين والآخر..وما يؤشر على هذا التخطيط بعيد المدى هو ان حركة الجهاد الاسلامي في مؤتمر موسكو اصرت على اعادة هيكلة منظمة التحرير والعودة للاصول التي قامت عليها قبل قبول الجهاد بالانضمام للمنظمة ، لان دخول الجهاد وحماس في منظمة التحرير بميثاقها الجديد يعني العبور للتسوية جهارا نهارا. بينما مندوب فتح اصر على ان الانضمام للمنظمة يجب ان يتم وهي ” بحلتها الجديدة: يعني مع اوسلو والتنسيق الامني والاعتراف باسرائيل …الخ.، وذلك كله يعني ان اطالة الخلاف بين تيار المقاومة وتيار المساومة سيفضي تدريجيا الى نفس مصير حكومة عموم فلسطين..
5-
ذبول العمل المقاوم بطريقة فيها قدر كاف ما يبعث على القلق، فحماس والجهاد تعلنان (بغض النظر عن الاسباب) انهما ملتزمتان بالتهدئة وكأننا نعود لاتفاقية هدنة كما جرى عام 1949، وقد تمتد التهدئة 18 سنة ، وفي الضفة الغربية هناك حارس فلسطيني سيطلق النار على من يحمل حجرا او على أي طالب مدرسة يخفي في حقيبته سكينا ، وعلى جبهة جنوب لبنان تسود قواعد اللعبة ذاتها ” الحفاظ على توازن الرعب”، وفي الجبهة السورية يتم ضرب سوريا من لبنان فلا لبنان يفعل شيئا ولا سوريا ترد …
الخلاصة:
ان تفكيك المشروع الفلسطيني يسير بخطى راسخة، والاطراف العربية واطراف فلسطينية ودولية منغمسة حتى أذنيها في هذا المشروع الذي يغذ الخطى نحو نموذج جديد ” للهنود الحمر”، فإذا لم يتم التفكير بتخطيط استراتيجي جديد يتجاوز المصالح التنظيمية والوطنية الضيقة ، فعلى نفسها ” جنت براقش”…ربما

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى