سواليف
بعد نحو أسبوع من شن وسائل إعلام سعودية حملة واسعة على تركيا بدعوى اختفاء مواطنة سعودية في مدينة إسطنبول، أصدرت ولاية إسطنبول، الثلاثاء، بياناً، كشفت فيه تفاصيل الحادثة لأول مرة، وألمحت إلى أن المواطنة السعودية هربت من عائلتها بإرادتها، ولم تتعرض لأي عملية اختطاف قسري.
ومنذ أيام، تحدثت مصادر سعودية مختلفة عن اختفاء مواطنة سعودية تدعى عبير كانت في رحلة سياحية برفقة عائلتها بمدينة إسطنبول التركية، وهي الحادثة التي استغلتها وسائل الإعلام السعودية واللجان الإلكترونية لصالح الحملة الضخمة التي تنفذها جهات سعودية لوقف السياحة إلى تركيا.
وتضمن بيان ولاية إسطنبول الذي نشر على موقعها الرسمي تفاصيل ما جرى مع المواطنة السعودية، وقالت الولاية إنه يأتي تعقيباً على الأنباء والتعليقات والأخبار التي تدعي اختفاء مواطنة سعودية في إسطنبول.
وجاء في البيان: “في تاريخ 14.8.2019، راجع شعبة الأمن في منطقة الفاتح بإسطنبول مواطن سعودي يدعى A.M.A، وقال إنه فقد زوجته بعدما جاء برفقتها وثلاثة من أطفالهم للسياحة في إسطنبول، وقدم بلاغاً رسمياً بهذا الشأن”.
وأوضح البيان أنه نتيجة للتحقيق الموسع والبحث والتحري الدقيق، تبين أن المواطنة السعودية A.I.B.A غادرت الفندق الذي كانت تنزل فيه برفقة زوجها وعائلتها “بإرادتها الكاملة ومن دون أي إجبار وغادرته سيراً على الأقدام”، مشيراً إلى أنه في تاريخ السادس والعشرين من الشهر الجاري -يوم الإثنين- وصلت إليها أجهزة الأمن التركية وأبلغتها أن عائلتها تبحث عنها وقدمت بلاغاً رسمياً باختفائها.
ولفت البيان إلى أنه جرى وبحضور ممثل عن القنصلية السعودية في إسطنبول أخذ إفادة المواطنة السعودية التي أكدت أنها تركت عائلتها بإرادتها الخالصة، ولم تقدم شكوى ضد أي أحد، ولم تخبر الأمن التركي بأنها تعرضت لأي عارض وغادرت مركز الأمن في اليوم نفسه.
وعلى الرغم من أن البيان الرسمي التركي لم يتحدث بشكل صريح وواضح عن أن المواطنة السعودية كانت هاربة من عائلتها، إلا أنه أعطى إشارات واضحة على هذا الأمر، مؤكداً الأنباء التي بدأت وسائل الإعلام السعودية تتحدث عنها خلال الساعات الماضية عن أن المواطنة لم تتعرض لعملية اختطاف وإنما كانت هاربة من عائلتها.
وفي وقت سابق الإثنين، أعلنت السفارة السعودية في أنقرة أنها عثرت على المواطنة المختفية وأكدت أنها بصحة جيدة، وجاء في بيان نشرته على “تويتر”: “منذ وصول بلاغ اختفاء المواطنة السعودية عبير العنزي في مدينة إسطنبول، قامت السفارة في أنقرة والقنصلية العامة في إسطنبول بتشكيل فريق عملي لمتابعة القضية مع السلطات التركية”، وأضافت: “وقد تكللت هذه الجهود ولله الحمد بالعثور على المواطنة وهي بصحة جيدة”، مشيرة إلى أنها تعمل على تسهيل إجراءات عودتها إلى السعودية في أقرب وقت.
وقالت صحف سعودية إن المواطنة عبير كانت مختطفة لدى من قالت إنها “عصابة سورية في إسطنبول”، وإنه جرى تحريرها من قبل الأمن التركي، لكن بيان ولاية إسطنبول نفى هذه الروايات ضمنياً عندما أكد أن المواطنة خرجت بإرادتها وأنها رفضت تقديم شكوى ضد أي أحد.
وطوال الأيام الماضية، شنت وسائل الإعلام السعودية ومنها فضائيات العربية وسكاي نيوز وعشرات الصحف والمواقع الإلكترونية بالإضافة إلى اللجان الإلكترونية التي تعرف باسم “الذباب الإلكتروني”- حملة إعلامية غير مسبوقة ضد تركيا في محاولة لاستغلال الأخبار عن اختفاء المواطنة السعودية لدعم الحملة المستمرة منذ أشهر، التي تهدف إلى وقف تدفق السياح السعوديين إلى تركيا وشرائهم العقارات فيها.
وتتخذ السلطات التركية إجراءات خاصة لحماية السياح بشكل عام والسعوديين بشكل خاص، لا سيما عقب الحملات الأخيرة. وقبل أيام ألقت السلطات التركية القبض على لصين بعد سرقتهما لسائحة سعودية ونشرت مشاهد القبض عليهم عبر وكالة الأناضول الرسمية، في محاولة لمواجهة الحملات الإعلامية السعودية.
وعلى الرغم من أن إسطنبول تشهد بعض عمليات السرقة والخداع للسياح، إلا أنها لم تشهد سابقاً أي عمليات اختطاف للسياح أو المواطنين، إذ تولي السلطات أولوية كبيرة لضمان الأمن وحماية المدينة التي يرتادها سنوياً ملايين السياح من حول العالم.
وفي ظل فشل الحملات الإعلامية الضخمة في تحقيق نتائج حقيقية وضرب السياحة السعودية إلى تركيا، لجأت وزارة الخارجية إلى إصدار بيانات متلاحقة تحذر فيها السياح السعوديين من وجود عمليات نصب واحتيال وسرقة، على حد تعبيرها.
ويبدو أن الجهات الرسمية السعودية تحاول من خلال إصدار هذه التحذيرات عبر وزارة الخارجية إلى إعطائها مصداقية أكبر، لا سيما وأن جميع الحملات الإعلامية لاقت ردود فعل ساخرة من السعوديين، وتعاملوا معها على أنها حملات إعلامية تأتي كنتيجة للخلافات السياسية بين البلدين، وليس لها علاقة بالواقع.
وصدر عن وزارة الخارجية سلسلة بيانات تحذر المواطنين السعوديين من وجود عمليات احتيال ضد السياح السعوديين في تركيا، وحذرت من عمليات استئجار السيارات ووجود سرقات للبطاقات الائتمانية أثناء الدفع، وخصت بالذكر مدينة طرابزون التي تعتبر أبرز الوجهات السياحية المفضلة للسعوديين على ساحل البحر الأسود شمالي تركيا. وفي بيان آخر، حذرت من وجود “عصابات تستهدف السائح السعودي، وسرقة جوازات السفر ومبالغ مالية”، وقبل أيام أصدرت بيانا يحذر السياح السعوديين من ارتياد منطقتي تقسيم وشيشلي، أبرز المناطق السياحية بإسطنبول.
وعلى الرغم من أن الحملات الرسمية والإعلامية لضرب السياحة السعودية إلى تركيا تتواصل منذ نحو عامين، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة منها حتى اليوم.
فبحسب بيانات الموقع الرسمي لوزارة الثقافة والسياحة التركية، وصل عدد السياح القادمين من السعودية إلى تركيا عام 2018 إلى 747 ألف سائح، بزيادة وصلت إلى 15٪ عن عام 2017 الذي وصل فيه عدد السائحين إلى أكثر من 650 ألفا، بعد أن كان لا يتجاوز الـ530 ألفا في عام 2016، والـ450 ألفا في 2015، والـ341 ألفا في عام 2014، كما أن هذه الأرقام لم تكن تتجاوز الـ20 ألفا حتى عام 2008.
ولكن وبحسب أحدث إحصائية، فإن أعداد السياح السعوديين في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري وصلت إلى 133 ألف سائح، بتراجع يصل إلى 30٪ عن أعدادهم في الفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما يشير إلى نتائج ولو محددة للحملة التي تصاعدت بشكل كبير جداً في الأشهر الأخيرة.
وفيما يتعلق بشراء العقارات، وصل عدد العقارات التي اشتراها سعوديون خلال هذه الفترة إلى 992 عقاراً مقارنة بـ977 في الفترة نفسها عام 2018.
وما زالت تركيا تطالب السعودية بالتعاون في ملف التحقيق بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وتركز أنقرة على ضرورة الكشف عن مصير الجثمان ومحاكمة المتهمين في تركيا، والكشف ومحاسبة رأس الهرم السياسي الذي أصدر الأوامر بتنفيذ الجريمة، وذلك في إشارة إلى ولي العهد محمد بن سلمان، وهو ما أغضب المقربون منه ودفعهم للقيام بحملات ضخمة تستهدف السياحة والاقتصاد في تركيا.