التغيرات العالمية وتزعزع الهوية

#التغيرات_العالمية و #تزعزع_الهوية

بقلم د. #سعود_ساطي_السويهري

إن التغيرات العالمية بما تشتمل عليه من مظاهر تعد سريعة ومتلاحقة ومفاجئة، وتتسم بالحداثة والتغيير يوما بعد يوم، ويمر الأفراد بالعديد من فترات النمو، ويحدث فيها تغيرات انفعالية ونفسية واجتماعية مختلفة، ومن المهم تفهم هذه المراحل واستيعابها على نحو متسق، سواء من الفرد أو المجتمع حتى تمر بسلام وبالتالي نضمن الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد ليكونو أفرادا منتجين وفاعلين في المجتمع.
ومن ضمن التغيرات الأكثر شهرة تغيرات في النواحي التكنولوجية فأصبحنا نسمع اليوم مفاهيم كثيرة يطلق عليها البعض “التريند” وأن فلانا أصبح حديث الصحف والمجلات والأخبار، وأنه بين عشية وضحاها قد امتلك ربحا، وجنى مالا يقدر بكذا، وهو في الحقيقة قد قدم مضمونا بلا مضمون، ومحتوى بلا محتوى، والضحية هنا هم الشباب، الذين يقلدون بلا وعي، وينتقدون أسرهم بلا دليل، ويتمردون على العادات والتقاليد السليمة التي تشيع في مجتمعاتهم، وهو ولا شك تقليد أعمى بلا معنى.
وتتعرض المنظومة القيمية في شتى المجتمعات إلى التغير المستمر، وقد أدى هذا التغير إلى التذبذب في القيم الموروثة منها والمكتسبة؛ مما أدى إلى ضعف قدرة الأفراد على انتقاء ماهو صحيح مما هو خاطيء؛ مما دفع الكثير من الشباب إلى سلوكيات متمردة، بل والتمرد على المجتمع وقيمه ومعتقداته
وهو ولا شك ناقوس خطر يدق في آذان المجتمعات، وهذا ما يسمى بتزعزع الهوية.
ويتمثل تزعزع الهوية في الصراعات النفسية التي تنتاب الفرد، ولذلك فإن أصعب ما يواجهه الفرد هو تطوير هوية ذاتية مستقرة فهو يعيش بين حالتين: ما يمثل وجهات نظره الخاصة وما يمثل وجهات نظر الآخرين، إنه في حالة من التساؤل المستمر: أي وجهات النظر أصح؟ مع من أقدم؟ إنها حالة صراع نفسي مستمر، يمكن أن تؤدى في النهاية إلى الاستقرار وتحقيق الهوية، ويمكن أن تؤدى إلى عدم الاستقرار، وبالتالي تكون النتيجة عندئذٍ الضياع والوقوع في براثن الأمراض والاضطرابات المختلفة.
والأمر الأكثر خطورة أيضا هو انتقال الشباب العربي إلى المجتمعات الغربية، والتقلد بتقاليد غير مرغوبة وغير مقبولة في أوساطنا العربية والإسلامية، وتؤدي هذه التقاليد غير المرغوبة، والتي تغزو عقول الشباب إذا لم يكن لديهم من الثوابت والتقاليد نصيبا إلى تحقيق الصراعات التي تلعب على تغيير الأفكار؛ نتيجة تغيرات وتطورات معينة، وهي بمثابة رصاصة تنطلق نحو العقول فتصيبها فكرا وتفكيرا، وللأمن الفكري دور مهم في هذا الصدد، وتظهر الطامة الكبرى حينما يظهر دور الهيمنة الغربية الثقافية، وخصوصا في العديد من المفاهيم المحلية التي تمتلكها الدول التي تعانى من مشكلات اقتصادية تنعكس سلبًا على شعوبها وأفرادها، حتى إن العديد قد يتساءل إلى أي ثقافة ينتمي، وإلى أي هوية يختار، وتبدأ ويلات التزعزع وعدم الاستقرار، والتمرد.
ويظهر الفرق جليا بين من يشعر ومن لا يشعر بهوية مستقرة، فالنوع الأول من هؤلاء الأفراد يتسم بالوعي والثبات والشعور بالرضا والرسوخ والشموخ والثقة بالنفس، والقدرة علي إقامة علاقات جيدة مع الآخرين، ومستويات مرتفعة من التوافق وقدرة على اتخاذ القرار، كما تبدو عليهم مستويات عالية من الضبط الذاتي، وعلى النقيض مما سبق فيتسم النوع الثاني من هؤلاء الأفراد مضطربي الهوية بالعديد من الخصائص والسمات السلبية، حيث يتصفوا بمستوى منخفض من فاعلية الذات، والسخط وعدم الرضا، والتمرد وعدم القدرة على التماسك والثبات الانفعالي.
من هنا تتضح أهمية الهُوية لكل فرد ومجتمع وأمة، ذلك أن الهُوية هي التي تعطى للفرد قيمته وللمجتمع أصوله وكيانه وتماسكه، حيث تقوم الهوية بالعديد من الأدوار التي تعمل على تحقيق الانتماء لذلك المجتمع لدى أبنائه، فليس وجودهم ضمن هذا المجتمع وجودًا هامشيًا أو عشوائيًا بل هو وجود له معناه وقيمته، إذ تٌشعر الهوية الفرد بحقيقة الانتماء مما ينعكس على الأعمال والتصرفات التي يتضح من خلالها حرص الفرد على مجتمعه لأن الرابط الذى يربطه بمجتمعه له قيمته ومعناه مما يدفعه للمحافظة على ذلك المجتمع والذب عنه وحمايته.
كما أن حل مشكلة اضطراب الهوية يتم من خلال تشكيل هوية متماسكة، تشير إلى منظومة من القيم والمعتقدات والأهداف والاتجاهات التي تزود الفرد بإحساس مستقر ومقبول للذات، وبالتالي فإن الهوية تشير إلى منظومة من المعايير والقيم والقوانين الشخصية التي يكونها الفرد ويكتسبها من خلال تفاعله مع البيئة المحيطة به ويسعى للحفاظ عليها، والدفاع عنها، كما أن للأسرة دور مهم في متابعة الأبناء، وموازنة ومواكبة الأبناء للتغيرات الحادثة، ومسايرتها وفق الشريعة والعادات والتقاليد والأصول المجتمعية والاجتماعية، والثقافية، وتنمية روح الانتماء، والحفاظ على الهوية بما تتضمنه من نسق قيمي وفكري.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى