#التعليم_المهني و التقني أولوية الوطن!
د. مفضي المومني
أكد الملك عبدالله الثاني، خلال اجتماعه قبل أيام بعدد من المسؤولين لمتابعة خطط الحكومة للتشغيل،( أن محاربة البطالة وتوفير فرص عمل مستدامة، هما الأولوية بالنسبة للعام الحالي.
وشدد ،على أن محاربة البطالة تتطلب التعاون والتنسيق بين القطاعين العام والخاص، والعمل من خلال خطط مدروسة وواضحة على أن يتابع تنفيذها بشكل دوري.وأشار جلالة الملك إلى ضرورة استمرارية تطوير بيئة التدريب المهني والتعليم التقني، وتزويد الشباب بالمهارات المطلوبة لتلبية متطلبات سوق العمل.ودعا جلالته إلى تغيير الثقافة المرتبطة بالوظائف المهنية، لافتا إلى أن الإقبال على التعليم التقني والتدريب المهني لا يزال دون الطموح).
عندما يعلن الملك أن التعليم المهني والتقني والإلتحاق به دون الطموح، فقد أختصر وأوجز وشخص الحال؛ وهذا يجب أن يكون دافعا مستعجلاً لكل المسؤولين عن التعليم المهني والتقني في بلدنا، ومن حسن الطالع أن وزير التربية والتعليم العالي هو نفسه عراب الإستراتيجية الوطنية للتنمية البشرية، والتي لو طبقت جيدا منذ بدايتها 2016 لكنا خطونا خطوات مبشرة في التعليم المهني والتقني، والآن ومع اننا نقترب من عام 2025 فترة النهاية للإستراتيجية، فما زال لدينا بعض الوقت لتصحيح المسار، فواقع التعليم المهني كما ونوعا وجودةً دون المستوى المطلوب ودون الطموح، والتعليم التقني أيضاً بحاجة ماسة لعمل كثير من حيث الإقبال وأعداد الطلبة وكذلك البرامج وتجويدها والبنية التحتية والفنية وتأهيل المدربين، ولأن الخمس سنوات الماضية كانت عجاف، لم تضف أي جديد لا بل تراجع مصحوب بإعلانات لا تمثل الواقع، وما كان يعلن هو إنجازات كرتونية غير حقيقية، ونتوسم خيراً برئيس جامعة البلقاء التطبيقية الجديد، بأن يولي ملف التعليم التقني أهمية كبرى بالتعاون مع جميع الشركاء من القطاع العام والخاص، وأن يظهر له جسم في هيكلة الجامعة ونظم وتعليمات منفصلة ومتكاملة مع البيئة الجامعية، والإهتمام بالإستثمار والتشغيل.
ومن باب التخصص والخبرة أكتب عن التعليم المهني والتقني والهندسي منذ سنوات، لأن حاجتنا الأساسية هي رفع شأن التعليم المهني والتقني وسأكرر دائماً وأكتب، لعل وعسى… في ظل إغراق الأردن بحملة الشهادات الجامعية المنتهية بالبطالة لا محالة… ومصيبتنا أن غالبية من يخططون للتعليم المهني والتقني غير متخصصين، وهم
يرددون كثيراً في الحديث عن التعليم المهني والتقني، وعن مواضيع تطوير التعليم وبالذات التعليم المهني والتقني، ومن المؤسف أن الحديث عن التعليم المهني والتقني أصبح ديكوراً وديباجة أو خاتمةً أو حشواً في كلام البعض وتصريحاتهم من مسؤولين أو منظرين أو تربويين أو غيرهم، وأجزم كمتخصص في التعليم المهني والتقني أن بعضهم لا بل جلهم لا يعرفون من التعليم المهني والتقني إلا اسمه! وكأن القضية من كماليات الأشياء او ألمحسنات اللغوية أو (برستيج) الحداثة عند البعض! أو تزلفا لما أكده جلالة الملك في التركيز على هذا النوع من التعليم، والواقع أن الوضع في أضعف صوره وحالاته، وسأوضح وضع التعليم التقني الحقيقي في مقال لاحق، وسأكشف كذب أرقام مضللة سوقها البعض، لتسطير بطولات وهمية، والواقع ان هذا النوع من التعليم واقصد التعليم المهني والتقني إضافة للهندسي هو أساس نهضة الأمم ورفعتها إقتصادياً واجتماعياً من خلال إمتلاك أدوات التكنولوجيا، التي تدير وتقتحم كل مناحي حياتنا، وتمدنا بالمنتجات والخدمات التي نحتاجها في مجتمعنا المدني المتقدم والحديث والمعاصر، وسأقتصر حديثي هنا عن التعليم المهني والحالة الأردنية ولن استخدم لغة الأرقام، لكني سأعرض وجهة النظر التربوية وما هو مطبق عالمياً، لعلنا نأخذ بتجارب الآخرين ونصل إلى تعليم مهني فعال يغذي ويزود سوق العمل بعمال مهنيين مهرة، بمختلف درجات المستويات المهنية الأساسية لهرم القوى العاملة، يلبي الكفايات المهنية المطلوبة للتشغيل وسوق العمل، ومتطلبات التطور التكنولوجي العالمي المتسارع، ويحد من البطالة ونسبها المرتفعة على الصعيد الوطني والتي تجاوزت حاجز ال 50% بين الشباب، من خلال:
أولا: ومن حيث البرامج وحتى يكون لدينا حلقة متكاملة من التعليم المهني فيجب أن يقدم النظام التعليمي (التدريبي) وللعلم فأنا أتحاشى ذكر التدريب العملي مقرونا بالتعليم، لأن النظم العالمية تعتبر التدريب وتعلم المهارة جزءً لا يتجزأ من عملية التعليم والتعلم الموجة للمجال النفس حركي عند الإنسان، مع الجانبين المعرفي والوجداني، واكرر يجب على النظام التعليمي أن يقدم ثلاثة برامج متكاملة تغطي المراحل العمرية كافة، فالتعليم المهني يبدأ من المدرسة في المرحلة الأساسية، ومن خلال برامج التعليم المهني كجزء من التعليم العام، والتي تسهم في توعية الطالب بالمهن ومن ثم تهيئه للتعامل معها وإدراكها ومن ثم استكشافها والتعامل المباشر معها من خلال جوانب نظرية وعملية وتدريب يراعي المراحل النمائية لطالب مرحلة التعليم العام، وأيضا فمن أهم أهداف هذا البرنامج في هذه المرحلة أن نُكََون لدى الطالب موقفاً و رغبةً وميولاً و توجهاً نحو مهنة المستقبل أي الإختيار المهني، وكذلك إكتساب مهارات حياتية يومية في جميع المجالات في بيئة الفرد… تُكتَسب من خلال التعامل مع المهن كما أسلفت وغير ذلك من الفوائد لهذاالبرنامج، وهنالك تصور طرحه معالي الوزير لبدء التعليم المهني من الصف التاسع وهذا بحاجة لدراسة متخصصة قبل إقراره.
ثانيا: برنامج التعليم المهني الذي يُعد الفرد لمهنة ضمن مستويات المهن الأساسية المختلفة وهي المرحلة الثانوية أو من خلال مراكز التدريب المهني أي بعد الصف العاشر، وتسمى مرحلة الإعداد، وهي المرحلة المهمة لسوق العمل والتي يجب أن تؤهل الطالب بحيث يخرج لسوق العمل ولديه الكفايات والمهارات اللازمة لأداء المهنة التي تعلمها ضمن مستوى مهني معين من المستويات المهنية الاساسية التي تبدأ بمحدود المهارة ثم شبه الماهر ثم الماهر ثم المهني والمهني المتقدم، او حسب معايير تصنيفية عالمية اخرى غير نهج الشرائح والحزم مثل نهج التدرج او المختلط، أو من خلال الإطار المهني للمؤهلات الذي أقر وبدأ تنفيذه وتسكين التخصصات من مزودي التعليم المهني والتقني والتطبيقي والهندسي فيه بميتوياته العشرة، وتعتبر هذه الفئة هامة جداً لأن المهني في قاعدة هرم القوى العاملة هو المنفذ لكل الأعمال التي تزودنا بالخدمات والمنتجات.
ثالثا: برامج التعليم المهني المستمر أو ما يسمى ببرامج رفع الكفاءة أحيانا، وهذا النوع من البرامج هو مسؤولية النظام التعليمي ومزودي التدريب، ومسؤولية القطاع الخاص لأنه يعمل على رفع وتطوير كفاءة المهنيين في المهن التي يمارسونها بما يتواءم مع التطور التكنولوجي المتسارع في عالم المهن ويُعَد ذلك من أنواع تعليم الكبار.
وبعد أن نتأكد من وجود هذه الحلقة المتكاملة من البرامج ومناهجها التدريبية ذات المستوى المتقدم والشامل لكل المهن، علينا التأكد من النقاط التالية حتى نضمن تعليم مهني فعال يُخَرج مهنيين يلبون متطلبات سوق العمل الحديث والمتنوع والمتطور، ويكونوا على سوية عالية، ويمتلكون الكفايات التي تدخلهم سوق العمل بجدارة وهي:
1- استراتيجيات تعليم مهني وطنية محكمة ينفذها ويضعها ويطورها ويراقب تنفيذها جسم مستقل هيئة او غيرها من المسميات مشابهة لمجلس التعليم العالي من المختصين في ظل تعدد الجهات الوطنية المشرفة على التعليم المهني وتعدد الاستراتيجيات ووجهات النظر وتكرارها وتشتت الجهود وكان من المفروض أن تكون هيئة تنمية المهارات المهنية والتقنية هي من تقوم بذلك إلا أن المعطيات والتدخلات غير العارفة أخرجت قانونها وافرغته من هذا الدور الهام.
2- ربط استراتيجيات التعليم المهني مع استراتيجيات التعليم التقني والهندسي من جانب بناء وضبط القوى البشرية من ناحية الكم والنوع بما يلبي حاجة سوق العمل المحلي والاقليمي من منظور وطني كلي متكامل، وأقترحت لذلك هيئة تنمية الموارد البشرية لتضع الإستراتيجيات والخطط للقوى البشرية ليأخذ بها كل مزودي التعليم والتدريب مع تغيير تشريعاته لتلبي ذلك.
3- إصلاحات تشريعية مستعجلة ومرنة مواكبة للتقدم الهائل في مجال المهن، بما يتناسب مع طبيعة المهن وتغيرها، تجمع كل ما يخص التعليم المهني في بوتقة واحدة وتوزع الأدوار للجهات المزودة للتعليم المهني سواء كانت وزارة التربية او مؤسسة التدريب المهني او القطاع الخاص وغيرها… ، وتزيل التقاطعات فيما بينها، وهذا يجب أن يتوائم في بلدنا مع الإطار الوطني للمؤهلات الذي تم إطلاقه من خلال هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي.
4- توفير التمويل اللازم وهو مكلف بالمناسبة إذا أردنا تعليم مهني فعال ذو كفاءة عالية، اذا عرفنا ان طالب التعليم المهني يكلف من 8-10 أمثال طالب التعليم العام تقريبا، وكذلك العمل على تشجيع القطاع الخاص لتبني التعليم المهني من خلال حوافز تشجيعية فعالة ومحكمة وقابلة للتطبيق، وكذلك الاستفادة من الدعم الدولي لهذا النوع من البرامج، وأؤكد هنا أن واحدة من أساسيات التعليم المهني التي تعلمناها ( هنالك حد أدنى من الكلفة الكلية للتعليم المهني، إذا هبطت الكلفة عن هذا الحد(من باب التوفير والإقتصاد وتقليل الكلفة) فلا يمكن الحصول على تعليم مهني فعال وناجح) أي لا يجوز التقتير في قضية مستلزمات وأجهزة وأدوات التدريب وهنالك نظم ومعايير عالمية لذلك يمكن الرجوع لها.
5- التركيز على توفير مدربين ومعلمين مهنيين بمستويات متقدمة، ولا مانع لا بل يجب إبتعاث المعلمين المهنيين في دورات تدريبية في مختلف بلدان العالم المتقدم لاكتساب آخر المهارات المهنية، ولكي لا نبقى نعلم ونتعلم مهارات تقليدية عفا عليها الزمن، إذا علمنا أن قاعدة المسؤولية لدى معلم التعليم المهني أوسع واكبر منها لدى معلم التعليم العام.
6- توفير بيئة تدريبية ثنائية، تركز على اكتساب المهارات داخل المؤسسة التعليمية وكذلك في مواقع العمل، بحيث يشكل التدريب في مواقع العمل جزءً هاماً من الإعداد لمهنيِي المستقبل من خلال مناهج وخطط دراسية وتدريبية محكمة يشارك فيها القطاع الخاص.
7- التركيز على تعيين إداريين للتعليم المهني على درجة من الوعي والمرونة والكفاءة والتخصصية، لأن هذا النوع من التعليم لا تناسبه إدارات تقليدية منغلقة على ذاتها وغير مرنة.
8- والنقطة الأهم ، ما الفائدة من تخريج مهنيين بسوية عالية مع عدم وجود سوق عمل يستوعبهم؟ وذلك لقصور المسؤولية الحكومية في تنفيذ حماية إغلاقية على المهن، ضمن منافسة غير شريفة وغير متعادلة للعامل الوافد مع العامل الأردني!! إذا علمنا أن بلد مثل لبنان كمثال لديه إغلاق تام على ما يزيد عن 86 مهنة بحيث يقتصر التشغيل على المواطن اللبناني فقط، وقد يقول قائل إن ذلك موجود في الأردن لكن الواقع يقول غير ذلك، إذا كنا جميعا نتعامل يوميا مع مهنيين في شتى أنواع المهن من جنسيات عربية وافدة أو مهاجرة ألينا!!وهذه المهن يعمل بها الآلاف من الوافدين وبالامكان إحلال عمالة اردنية لتعمل بهذه المهن، ونقلل من نسب البطالة بين الشباب، فإذا كان التشريع موجود فهو غير مطبق أو منفذ وهذه مصيبتنا لدينا أفضل القوانين في العالم وفي التنفيذ نحن مقصرين، مع الإحترام لنهج وزارة العمل حاليا من خلال مبادراتها ومنصة العمل التي أنشأتها ومبادرات التشغيل التي تتبناها وكذلك البدء بحماية إغلاقية من خلال أردنة سوق العمل، وتقنين ومنع تصاريح العمل في مهن معينة لفتح المجال للعمالة الوطنية.
9- نقطة أخرى يجب عدم إغلاق نهايات أنظمة التعليم المهني، كما ينادي بذلك البعض، لأن ذلك سيحد من الإقبال عليها، ولكن يمكن تقنيين عملية الانتقال إلى مستويات تعليمية أعلى من خلال ضوابط وتعليمات مقننة لعملية الانتقال وضمن شروط معينة.
10- تحديد وهيكلة المهن التي يجب أن تكون ضمن المسار المهني الأكاديمي المؤدي إلى الثانوية العامة والمهن التي تحتاج إلى دورات قصيرة المدى تؤهل الفرد لمستوى عمل مهني محدد، وتحديد الجهات التي يجب أن تقوم بذلك، وكما اعرف فإن وزارة التربية قد انتهت من ذلك من خلال لجنة لهيكلة التخصصات المهنية وهي في طور التنفيذ.
11- إيجاد حوافز للملتحقين في التعليم المهني، ولدينا تجارب للمدارس المهنية في البدايات والتي بناها الألمان، حيث كان يُصرف للطالب مصروف جيب وكانت المدرسة توفر للطلبة من الأماكن البعيدة السكن الداخلي والوجبات وغير ذلك، ولا أنسى انه يجب على التشريعات أن تحدد على الأقل حد أدنى لرواتب المهنيين يختلف ويزيد عن الحد الأدنى للرواتب في قانون العمل.
12- تطبيق معايير عالمية وكودات للمهن تؤهل المهني للعمل في السوق الأقليمي والعالمي.
13- تطبيق معايير الجودة في جميع مستويات التعليم المهني للبرامج والتخصصات والخريجين.
14- إنشاء قاعدة بيانات وطنية للتعليم المهني والتقني من حيث الملتحقين والخريجين والعاملين والمتعطلين، إضافة لحاجات سوق العمل من المهن تسهل عملية التخطيط للعرض والطلب والتشغيل والتطوير.
15- تشجيع التشاركية والتكاملية بين مزودي التدريب المهني في القطاعين العام والخاص.
16- الإستفادة من تجارب الدول المتقدمة في التعليم المهني والتقني ونقل تجاربها بما يخدم نظامنا التعليمي وسوق العمل لدينا.
هذه مجموعة من النقاط التي أسعفتني بها الذاكرة والتجربة وهنالك غيرها، وعلينا تجميع الجهود في إصلاح التعليم المهني، لأني اعرف أن هنالك عدة لجان تعمل بهذا الاتجاه شكلتها الجهات المعنية سابقاً ولاحقاً، وكذلك هنالك توصيات مؤتمر التطوير التربوي الذي عقدته وزارة التربية منذ فترة،ولا أنسى المقررات التنفيذية للجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية والتي أخذت بمجموعة كبيرة من النقاط التي ذكرتها، فالصورة واضحة لكن يجب ان نبدأ مسيرة الإصلاح الفعال للتعليم المهني فقطار التقدم يسير بسرعة ولا ينتظر أحداً…وإصلاح التعليم المهني والتقني هو الرافعة الحقيقية للإقتصاد ووالمجتمع ولنا في تجارب الدول المتقدمة بذلك…….حمى الله الأردن.