التعليم العالي تسونامي أم ثورة بيضاء… !
د. مفضي المومني
اتحفنا محرر طلبه نيوز بمقال يحمل عنوانا مثيراً (تسونامي يضرب قطاع التعليم العالي والجامعات) ونشكره على أي حال… ولمعرفتنا بقصده الطيب لم نذهب لأثر التسونامي والذي هو الدمار وليس الإصلاح… .ولكن من باب الإثارة قرأنا ما وراء العنوان، وهو في الواقع تمريرات من (مصلحة) التعليم العالي في الأردن بشقيها الوزارة والمجلس وعلى رأسهما الوزير، والذي حمله عقل الدولة عبء التعليم في بلدنا بشقيه العام والعالي، ونشفق عليه لأن الحمل كبير، وكان واجب على عقل دولتنا الإبقاء على الفصل لأن ملف التعليم العالي في بلدنا بحاجة لشغل وشغل من الجميع، إذ يجب ان لا تنفرد الوزارة ومجلسها بكل شيء، ولا يصح الإصلاح بالقطعة..! وتغيير مجالس الأمناء و رؤساء الجامعات لوحده لن يحل الإشكالية، التعليم العالي بحاجة لجلسة عصف ذهني من خبراء لوضع خطة عمل شاملة ومستعجله، واجبة التنفيذ تبني على الإستراتيجيات والمبادرات السابقة، وأن لا تلحق بمثيلاتها في ارشيف الوزارة ومؤسسات التعليم في بلدي مثل الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية..! إذ يجب وضع خطة تنفيذية ملزمة، لا تخضع لمزاج وزير قادم وآخر مغادر، وأؤكد أن لا تنفرد الوزارة ومجلسها بذلك، ولا مانع من أخذ تجارب عالمية ناجحة وتطبيقها مع التعديل لإختصار الوقت.
مشاكل جامعاتنا متكررة في كل الجامعات مع أن التشريعات موجودة، ولكن مشكلتنا الرئيسة في الإدارات وكررها ألف مرة… نعم الإدارات، بلدان لديها أقل بكثير من مواردنا تقدمت وأصبحت في ركب العالمية فعلا، ونحن ما زلنا نبحث تصنيفات موهومة وكاذبة النتائج لأننا زودناهم بأرقام مضخمة لنرضي تقصيرنا بعنتريات التصنيفات التي أصبحت مجالا خصباً للتندر أكثر من الفرحة بالإنجاز، ومن قال أننا لا نفرح لجامعاتنا..! من غير إن نزاود على بعض نطير فرحا بأي إنجاز لجامعاتنا والعاملين فيها، ولكن هنالك نتائج غير مقنعة ابدا وتقع في باب ( شو عرفك إنها كذبه… قال له من كبرها)… اللهاث خلف التصنيفات المدفوعة… بهذه السطحية مدعاة للقلق، المفروض أن تعمل الجامعات وتصلح كل أدواتها وتبحث عن الجودة والنجاح والتطور… وبعدها ستبحث التصنيفات عنها… لا أن تلهث الجامعات خلف التصنيفات لتجمل ما لا يُجَمّل… !
الركض خلف سحر العنوان لن يضيف للتقدم شيء ، الإصلاح يجب أن يكون شامل لقطاع التعليم العالي، ما تقوم به الوزارة ومجلسها من إعادة صياغة التشريعات وتوجيهها من غير رجوع للقاعدة، الجامعات وأعضاء هيئة التدريس فيها لن يغير شيئاً، دعونا نعترف… الملفات كثيرة ويجب أن تدرس كلاً متكاملاً ، وأما مايدور في جامعاتنا هذه الأيام فهو نتاج إدارات جامعية غير كفوءة وفاقدة للبوصلة، وتسطيح الأمور بتحويل الأمور للشخصنة من قبل النواب فهذه الإسطوانه ممجوجة ومستهلكة، فهل هذه الإدارات نزيهة في التعيينات وتبادل المصالح مع غيرهم؟ أم انه تغطية للفشل وإختباء خلف عباءة الشخصنة؟ (للبحث عن طوق نجاه..!)، ما ورد في تسونامي طلبه نيوز واضح انه تسريب من أعلى مستوى في التعليم العالي… ! ونريده أن يصبح ثورة بيضاء وغيوم خير تحمل المطر… لا تسونامي يدمر المدمر أصلاً..( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) سورة فصلت، نعم نريد أن نرى الحياة تدب في كل مفاصل التعليم والتعليم العالي في بلدنا، لسنا عدميين ولا هواة جلد للذات، ولا إنكار للإنجازات، ولكن النتائج تصفعنا كل يوم بإخفاقات وتأخر عن الآخرين، العالم يتقدم ونحن ما زلنا في مخاض إختيار رؤساء الجامعات وتقييمهم وإغفال محاسبتهم..!، الموضوع سهل… إما عقل الدولة كما اقترحت سابقاً لتعيينهم، والإنتخابات لكل أطراف مجالس الحاكمية لنبتعد عن السيطرة الغاشمة لبعض الرؤساء وإختزال الجامعة ومقدراتها بشخص الرئيس، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة لا محاله، مطلوب من وزيرنا المبجل ومجلسه وضع خطة متكاملة من خلال الشركاء القطاع الخاص والحكومي وأبناء الجامعات والتي تعج بالخبرات المميزة والتي تم تنحيتها من قبل أصحاب الصف العاشر والواسطة وغيرها… الذين أصبحوا سمة الإدارات الضعيفة هذه الأيام في جامعاتنا إلا من رحم ربي.
ولكم أن تتابعوا القراءة لمقال سابق ناقشت فيه ذات الموضوع أيام حكومة ال (111) وكررته لأنه مازال صالحا ليومنا هذا… لأننا لا نغير… ونسكن لنسلم… وإن غيرنا نصبح مثل اللي ( إجا تا يكحلها عورها)… .وهذه هي المقالة التي كتبت منذ أكثر من عشر سنوات… :
، ننتظر من وزير التعليم العالي، أن لا يكون كلاسيكياً روتينياً يعد الأيام… لتمضي بسلام، فهذه مهمة يستطيعها أي موظف عادي..! نريد أن تباشر الوزارة خطة إصلاح فاعلة وليست ملفات بالقطعة..! تفصل لغايات ما..! نريد خطة تنفيذية واضحة المعالم لمعالجة ملفات كثيرة تكلمنا عنها سابقا وما زالت تراوح مكانها،
القضية ليست جلد للذات بقدر الوقوف على السلبيات واجتثاثها بهدف تطوير وإصلاح التعليم العالي نحو جامعات عالمية وخريج عالمي يواكب متطلبات العصر…
العالم يراقبك… كلامك عن ذاتك لا يصنع النجاح ، فالنجاح ممارسة مستمرة تصنع سمعة تشنف آذان من لا يسمع… .اما التغني الكاذب بالإنجازات الوهمية والاعتماد على مؤشرات نجاح خنفشاريه بنجوم خماسية، وتصنيفات عالمية لا تحاكي الواقع لن تجعلنا نتقدم..! وساختصر أهم الملفات التي بحاجة للعمل في التعليم العالي بما يلي:
1- مديونية الجامعات وضعف الدعم الحكومي وعدم توجيه كامل دينار الجامعات لمصلحة الجامعات واستمرار الكثير من الجامعات باسعار الساعات القديم والرمزي، جعل الجامعات ترزح تحت وطأة المديونية وصارت كل الجهود موجهه نحو تحصيل المال كل شهر لدفع الرواتب، على حساب العملية الاكاديمية احيانا ان لم نقل غالبا.
2- الإدارات الجامعية، ازعم ومن خبرتي ان اهم معضلة تواجه جامعاتنا ونظامنا التعليمي هي ضعف الإدارات، الإداري الضعيف الذي وصل بالواسطة او بطرق اخرى عقيمة، لا تتضمن معايير الكفاءة لن يصنع نجاحا، لا بل انه وصفة سحرية لقتل النجاح وهذا يبدأ من رئاسة القسم الاكاديمي وينتهي برئيس الجامعة… ووزراء التعليم العالي وهيئة الاعتماد….ويتداول العارفون بالتعليم العالي اسماء وزراء هم الاسوء في تاريخ وزارة التعليم العالي وهم من يتحمل الكثير من الملاحظات والاشكاليات والهنات التي اقتحمت جامعاتنا، والأمثلة كثيرة لإدارات ورؤساء جامعات وعمداء اعادوا مؤسساتهم عشرات السنين الى الوراء.
3- التوجه العام في الجامعات نحو اولوية تحصيل الاموال من خلال البرنامج الموازي، والذي غلب جانب المال على النوعية، واحدث خللا في نظامنا التعليمي، وسادت قضية من يدفع ينجح لدى البعض، والتهاون في ضبط العملية الاكاديمية والتركيز على الكم مقابل النوع.
4- كلاسيكية وقدم بعض البرامج وبقائها على حالها وعدم تطوير المناهج وأساليب التدريس بما يتناسب مع حاجة سوق العمل وعصر التطور والتكنولوجيا.
5- ضعف مدخلات التعليم العالي اي مخرجات التعليم العام او المدرسي، ونلاحظ ذلك جليا من خلال افتقار نسبة من الطلبة المقبولين لأساسيات التعلم التي تدخلهم المستوى الجامعي.
6- عدم وجود برامج في الجامعات تخص تدريب أعضاء هيئة التدريس لتطوير ادائهم او ضعف التطبيق ان وجدت ، ولا يكفي ان تحمل الدكتوراه وتمارس التدريس دون تأهيل تربوي مسلكي وتدريب لتطوير المدارك بكل ما هو حديث وجديد.
7- البحث العلمي واشكالياته، صحيح ان بعض التمويل موجود، ولكن كثرة الإجراءات وتعقيداتها والموافقات تجعل الكثيرين يحجمون عن الانخراط في البحث العلمي الرصين، واقتصار البحث العلمي لغايات الترقية، ايضا التركيز على الشكليات وليس المضمون في اجراءات الترقية، وعدم تشجيع الجامعات للمجموعات البحثية.
8- جامعاتنا بحاجة لمراكز ريادة وابتكار مفعلة، ينشط من خلالها البحث والانتاج والتميز، وينخرط فيها المدرس والطالب، وسوق العمل في شراكة، وتوضع لها تشريعات تنظمها.
9- وجود نظام رقابي صارم على اداء الجامعات والإدارات الجامعية حكومية وخاصة، للحد من اي مخالفات او اخطاء تؤثر على العملية الاكاديمية، والتركيز على التقييم الدوري لرؤساء الجامعات من خلال أعضاء الهيئة التدريسية في جامعاتهم وبشكل محايد من خلال موقع وخوادم التعليم العالي وليس الجامعات..!واقترحنا سابقاً وحدة لمتابعة الجامعات في مجلس الوزراء.
10- وقف التدخلات والواسطات من المستوى السياسي والأمني وغيرهم في شؤون الجامعات، الجامعات وجدت مستقلة ويجب ان تبقى مستقلة، اما ان يتم تعيين اعضاء مجالس الامناء والإدارات الجامعية بضغوط من الجهات التي اسلفت فهذا هو سبب ما وصلنا اليه، وكذلك جنوح بعض رؤساء الجامعات إلى إرضاء المسؤولين والجهات الرقابية المؤثرة على وجودة، من خلال التنفيعات والتعيينات وتبادل المصالح والتوسط في الترقيات والتوسط في تعيين القيادات في الجامعاتوغيرها قتل تقدم بعض الجامعات وجعلها في إحتقان وإحباط أثر على مسيرتها، والقادم اسوء إذا بقينا ندفن رؤوسنا في الرمال، ونغمض أعيننا عن البعض بحجة أنه مدعوم..!
11- زيادة الرقابة على الجامعات الخاصة وادائها الاكاديمي، وسن التشريعات للحد من تدخل المالكين برؤساء الجامعات والعملية الاكاديمية، والتأكد من تطبيق القوانين والانظمة وحسن سير العملية التدريسية، فالمخفي أعظم في بعضها.
12- عدم التهاون في العملية الاكاديمية وتمييعها من خلال تسهيلات، وكان الجامعات شركات ترفيهية وسياحية! وهذا ينطبق على الجميع جامعات عامة وخاصة.
13- مراجعة أسس القبول وعدم اعطاء استثناءات، تخل في العملية الاكاديمية لاي جامعة.
14- نقل وتمثل تجارب عالمية ناجحة في التعليم الجامعي وفتح باب التعاون المثمر مع المؤسسات والجامعات العالمية.
15- تفعيل الشراكة الفعلية مع القطاع الخاص، سواء في اعداد المناهج او التمويل او التدريب، أو البحث العلمي.
16- ثبات التشريعات وتوحيدها ووضوحها عامل مهم في رفع سوية التعليم.
17- تفعيل التعاون بين الجامعات وفتح باب التفرغ العلمي بين الجامعات، وعدم تركه للمزاجية ونحن نرى قرارات مؤسفة لمجالس عمداء لمنع استقبال طلبات تفرغ علمي!
18- المكرمات حق مكتسب ولكن يجب توجيهها بشكل صحيح.
19- توحيد التشريعات والرواتب وتعليمات الترقية وأقترحنا سابقا وحدة وطنية لإدارة الترقيات على المستوى الوطني لكل الجامعات عامة وخاصة.
20- إعادة النظر في التعليم التقني ووضع خطط إصلاح وجسم وطني يضع الإستراتيجيات له وللتعليم المهني.
21- إنشاء هيئة وطنية للقوى البشرية تعمل على تنظيم تأهيل وتخريج القوى العاملة كما ونوعا من مختلف مستويات التعلم، وإعادة النظر بهيئة تنمية المهارات المهنية والتقنية وجعلها جسم وطني معني بوضع سياسات واستراتيجيات التعليم المهني والتقني، فوجودها الحالي خالي من المضمون والتأثير.
هذا ما اسعفتني به الذاكرة بعجالة، وهنالك قضايا اخرى، صحيح انه من المفترض ان الجامعات تطبق مضامين الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وصحيح ان لدينا قانون تعليم عالي وقانون جامعات رسمية، لكن مخرجاتنا ليست على ما يرام، ورب ضارة نافعة ، فاعتماد بعض الجامعات من قبل الكويت وقطر ، واستثناء الغالبية العظمى من الجامعات قبل مدة… يدق ناقوس الخطر ويجعلنا نتفق اننا لسنا في احسن احوالنا، ونحن نرى جامعات دول مجاورة تتقدم عالميا ونحن ما زلنا نتلمس الطريق..! يجب ان نفعل كل شيء من اجل تعليم عالي متقدم ويشار اليه بالبنان مثلما كان في مراحل سابقة، وأعتقد ان ما قاله معالي د. وليد المعاني وزير التعليم العالي الأسبق ؛(شدشدة براغي التعليم العالي) ما زال مطلوباً وقائماً، فالداء معروف والدواء ممكن بهمة الخيرين في بلدي، واجزم اننا بحاجة لثورة بيضاء تضع الامور في نصابها لتعليمنا العالي الذي نريد…نمر في سكون مطبق للأسف، وزارة التعليم العالي ومجلسه لم يخرجوا علينا بخطة تنفيذية لإصلاح التعليم العالي، وأما ذر الرماد في العيون من خلال إثارة ملفات سطحية وشكلية فهذا عمل من لا عمل ولا رؤيا لديه..! … .حمى الله الاردن.