التعليم العالي… بيروقراطية تقتل الطموح أم أمل يفتح أبواب المستقبل

#سواليف

#التعليم_العالي… #بيروقراطية تقتل #الطموح أم أمل يفتح أبواب المستقبل

أ.د #امجد_الفاهوم


يمر التعليم العالي في الأردن بمرحلة دقيقة يختلط فيها التحدي بالفرص. فعدد الجامعات والبرامج الأكاديمية في ازدياد، لكن هذا التوسع لا يواكب دومًا حاجات سوق العمل. ولعل أبرز مؤشر على ذلك ارتفاع نسب البطالة بين الخريجين لتصل إلى نحو 25.8٪ عام 2024 بحسب جريدة جوردان تايمز. هذا الرقم لا يعكس فقط أزمة توظيف، بل يكشف عن فجوة عميقة بين مخرجات التعليم واحتياجات الاقتصاد. وهو ما أكد عليه البنك الدولي في تقريره عن تشخيص الوظائف في الأردن، حيث أشار إلى أن الخريجين يتكدسون في تخصصات لا تتوافق مع متطلبات السوق، الأمر الذي يضعف قدرة الاقتصاد على استيعابهم ويضع ضغطًا متزايدًا على الجامعات والحكومة معًا.
لكن، هل يمكن النظر إلى هذه الأزمة باعتبارها فرصة؟ فالأزمات الإقليمية دفعت آلاف الطلبة العرب إلى الجامعات الأردنية، كما ورد في تقرير اليونسكو 2025 حول التخطيط الاستراتيجي للتعليم (2026–2030). هذا التدفق يشكل ضغطًا إضافيًا على البنية الأكاديمية والإدارية، لكنه في الوقت نفسه يتيح للأردن أن يعزز مكانته كمركز إقليمي للتعليم العالي، وأن يحوّل التعليم إلى قطاع إنتاجي قائم بذاته. فهل نحن مستعدون لتوظيف هذه الفرصة؟
أما التحولات التكنولوجية فتكشف عن تحدٍّ آخر: التعليم التقليدي لم يعد كافيًا لمجاراة الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي. يشير تقرير البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية 2025–2030 إلى أن إصلاح التعليم الفني والمهني وربطه بالاستثمار يمثل ضرورة أساسية لتقليص فجوة المهارات. الجامعات الأردنية مطالَبة اليوم بأن تعيد تصميم مناهجها لتشمل المهارات الرقمية والبحثية والريادية، وأن توسع نطاق التعليم الإلكتروني والهجين. غير أن هذا الطموح يتطلب تحديث التشريعات وتحرير طاقات الابتكار عبر شراكات حقيقية مع القطاع الخاص، بعيدًا عن الحلول الشكلية.
ورغم صعوبة المشهد، يظل الشباب الأردني هو الرصيد الأكبر. فقد أثبت الخريجون قدرتهم على المنافسة عالميًا عندما توفرت لهم بيئة تعليمية مرنة، وهو ما دفع البنك الدولي للتأكيد على أن الاستثمار في التعليم الأردني يمثل محركًا لتحول اقتصادي حقيقي. لكن تحويل هذه الميزة إلى واقع يتطلب هندسة جديدة لعمل المجالس الأكاديمية، وضمان الشفافية في القرارات، وتوجيه الموارد نحو التخصصات ذات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية.
إن السؤال الذي يجب أن يواجهه صانع القرار هو: كيف يمكن تحويل التعليم العالي من عبء يفاقم البطالة إلى فرصة تعزز التنمية وتولّد الوظائف؟ النصيحة التي تجمعها التقارير الدولية واضحة: إصلاح سياسات القبول وتوزيع التخصصات بما يتماشى مع حاجات السوق، توسيع الاستثمار في البحث العلمي عبر حوافز واقعية، وبناء منصات رقمية للتعلم المفتوح. كما أن سن تشريعات مستقرة ووضع مؤشرات أداء واضحة للجامعات سيرفع من ثقة المجتمع والطلبة والمستثمرين في مخرجات التعليم.
إن المطلوب من صانع القرار اليوم لا يقتصر على إصلاح السياسات أو تطوير التشريعات فحسب، بل يتطلب أيضًا اختيار قيادات أكاديمية مجرَّبة أثبتت كفاءتها الإدارية والمالية والابتكارية، بدءًا من لبنة القسم، مرورًا بالكلية، وصولًا إلى المركز والجامعة. هذه القيادات هي القادرة على تحويل المحن إلى فرص، والتحديات إلى إنجازات، لأنها تمتلك الخبرة العملية والرؤية الواقعية.
أما القيادات التي تهبط بـ”براشوت” الواسطة والمحسوبية، فإنها لا تضيف إلا مزيدًا من البيروقراطية وتعميق الأزمات، بل وتخلق مشاكل أكبر يتجرع مرارتها جيل المستقبل. وهنا تكمن خطورة استمرار النهج التقليدي في التعيينات مقابل تبنّي معايير الكفاءة والجدارة.
ان التعليم العالي الأردني يقف اليوم عند مفترق طرق. فالتحديات معقدة، لكنها لا تلغي الفرص. فموقع الأردن واستقراره النسبي، إلى جانب طموح شبابه، يشكلان أساسًا يمكن البناء عليه لإعادة صياغة نموذج تعليمي يواكب المتغيرات العالمية. ويبقى السؤال مفتوحًا أمام الجامعات والإدارات الأكاديمية وهيئات الاعتماد ووزارة التعليم العالي: هل نكتفي بإدارة الواقع كما هو، أم نملك الشجاعة لوضع رؤية جديدة تجعل التعليم العالي رافعة حقيقية للتنمية في #الأردن؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى