التعلم العالي عن بُعْد : نجاحاتٌ وإخفاق
أ. د. خليل الرفوع
استطاعت الجامعات الأردنية جميعها أن تديرَ التعليم عن بعدٍ إثر جائحة كورونا مباشرة بعد إعلان الحكومة الأردنية فرض الحظر العام، ومن خلال منصاتها الألكترونية نهضت إداراتها بتوجيهات متواصلة مع المراكز الحاسوبية فيها لتوفير تطبيقات علمية عملية آمنة؛ ليتمكن الأساتذة من التواصل مع الطلبة عبر زووم ( zoom) وميكروسوفت(microsoft) وغيرها، فأعطيت المحاضرات بالصوت والصورة واستمرتْ تسجيلا وتصويرًا ونقاشا وتفاعلا، وكانت تجربة أغنت الحالة الدراسية عمقا وتحليلا بمساعدات تقنية تفاعلية لم تشهدها الدراسة الأكاديمة من قبلُ، وأستطيع القول بناء على تجربة جامعة مؤتة – وأنا شاهدٌ من أهلها – إن العلم عن بعد كان مسارا ناجحا، فلم تتوقف المحاضرات والاجتماعات بل كان عمل الأساتذة وإدارات الأقسام والكليات والرئاسة مضاعفًا، وكان جهدهم جهدًا موزونًا، وهذا يشمل كل الأعمال الإدارية والوحدات والمراكز البحثية والعمادات الأخرى، كعمادة البحث العلمي وشؤون الطلبة، حتى نهض الطلبة أنفسهم بمبادرات لمسابقات ثقافية ودينية وعلمية ناجحة.
كان التعليم منذ بدء الخليقة مباشرا، وكانت جائحة كورونا صدمة كونية فجائعية فجائية لم يُحْسَبْ حسابُها، وقد نجحت الجامعات الأردنية بإدارة التعليم وتسيير قراراتها وبرامجها على الرغم من بطء وزارة التعليم في قوْنَنة الإجراءات رسميًّا لكنها أحسنت في إعطاء مساحة لرؤساء الجامعات في العمل انتظارا لقراراتها ، كان ذلك اجتهادا فرضته حتمية اللامركزية، ولعل ذلك يعود إلى وقار ثقيل مؤصل فيمن يقود التعليم العالي، وأقصد هنا مجلس التعليم العالي الذي شُكِّلَ من وزير سابق له حساباته الشخصية، ولا نعلم هل كان المجلس عبئا على وزير التعليم العالي يستوجب تغييره!.
لقد أخفقت وزارة التعليم العالي، في جوانب ما كان لها أن تخطئ فيها، أخفقت حينما أرجأت إصدار أمر الدفاع السابع الذي نص على تنظيم التعليم عن بعد ليكونَ قانونيا ، وكان يفترض أن يصدر منذ الأسبوع الأول من الحظر، كي يعلم الطلبة مشروعية التعلم عن بعد. فقد كان لتأخير أمر الدفاع هذا أثر عكسي في جعل الطلبة لا يهتمون بحضور المحاضرات فكانت نسب غيابهم تقارب الثلث من المجموع العام قبل صدوره ، بل إن وزارة التعليم العالي تساهلت في مسألة غياب الطلبة، علما أن الجامعات قد أرسلت لكل طالب حزم نت تقدر ب ( ١٠) جيجا.
أخفقت وزارة التعليم العالي في ترددها في بعض القرارات وتراجعها إعلاميا عن بعض من تصريحاتها، حتى كان التخبط عنوانا لها، وكان آخرها حكاية التبرعات، وكأن وزارة التعليم العالي آخر من يعلم بالأمر، ولم يكن القرارُ قرارَها؛ ولهذا تناقضتْ تفسيراتها ، فهل يليق بهيبة أساتذة الجامعات أن تعلق أسماء من تبرع أو من لم يتبرع على منصات الجامعات ، ويخرج علينا من يُنَظِّرُ للوزارة بضرورة جعل التبرع فرضَ عين وإلحاقه بالاقتطاع، وما علم أن نسبة الاقتطاع من رواتب أساتذة الجامعات هي الأعلى مقارنة مع موظفي الدولة، وكان بإمكانه أن يتبرع بكل مرتبه دون التسلق على سلالم الوطنية مزايدةً بلغة ساذجة، وكان على وزارة التعليم العالي أن تدافع عن حقوقٍ يظنها بعضُ ممن أوتوا حظًّا من الأستذة أنها أعطيات مُنِحَتْ لأهل الصُّفَّة والمؤلفةِ عقولهم شفقةً وخَصَاصَةً في غفلة من الزمان.
وبعدُ، فما يدفعنا للكتابة عن وزارة العلماء هو حبنا لوطن لن يكون إلا وجدًا على وجدٍ وعشقًا يتجددُ حياةً كل صباح، نكتب عن جامعات تطاولت بعلمائها وطلبتها لتكونَ على كتف الوطن نورا على نور، ولتكونَ في تربته المقدسة سنابل تزهر بإذن الله حياةً وخلودًا، وسيبقى الأردن بكل ما فيه حكاية نجاح ورواية عشق، وإنها لنجاحاتٌ لن يَحْجُبَ إشراقاتِها إخفاقٌ أو نفاق.