التطوير من باكير لـ”شويكه” … و .. د.محمد ابو رمان
بسام الياسين
التطوير في عهدي وزيرتي تطوير القطاع العام نانسي باكير ( 23 /2 / 2009 ـ 9 / 12/ 2009) الى مجد شويكة ( 28 / 9 / 2016 ) كان فترة ذهبية في اللا تطوير…شويكه، زادت على زميلتها ، بوقوفها مع شركات الاتصالات ضد مواطنيينها .الوزيرة الانيقة استغربت استغراب الناس رفع دينارين كرسوم اضافية على الهواتف الخلوية،ووصفت الرسوم انها ” ارخص من باكيت دخان “،معتبرة ان الخطوة جزء من الاصلاح.الوزيرة ذات راتب من اربع خانات . لم تدرِ ان المواطن المهدود يُنقّب بالفاس والمجرفة عن بريزة،ويمشي مسافة طويلة لتوفير اجرة السرفيس ؟!. على المقلب الآخر حقق مركز الدراسات الاستراتيجي الاردني، المركز الاول في الشرق الاوسط ، متفوقاً على مراكز عتيقة وعريقة في المنطقة. الصدمة الموجعة بدل دعمه مالياً و اعلامياً وفتح الابواب امامه،وتكريم فريقه.كانت مكآفأته جحود نشاطاته و ابحاثه التي احتلت مكانة عالمية مرموقة…نسأل الذين يبذرون مال الدولة هنا وهناك :ـ هل هكذا يُكافىءُ المبدعون الذين يُعَظِمّونَ الهوية الاردنية ؟! }}} .
{{{ حكاية ابو عواد والاصلاح }}}
*** نهض ابو عواد فزعاً على طرقات عنيفة كادت ان تقتلع مسامير باب بيته الصدئة. هُرع حافياً وهو لم يُكمل بعد ارتداء بنطاله، صوب الضربات العصبية المتلاحقة التي اخذ الباب المتهالك يترنح تحتها،حتى اوشك ان يخرج من مكانه .مع كل طرقة كانت ، دقات قلبه تتصاعد و احساس بان انفجارا كونياً سيقع على راسه…الطرقات تتعالى كلما اقترب اكثر،وكأن مثقب حداد يخرق طبلة اذنه،فيما هو يحدث ذاته،تُرى ماذا حدث في الدنيا ؟!. …على خطٍ موازٍ كانت ام عواد ،تركض مذعورة صوب الحمام حتى لا تفلت منها زمام الامور،خاصة ان ” حبة المُدر” التي اعتادت تناولها على الريق بعد صلاة الفجر للحفاط على ضغطها في معدله الطبيعي،شكلت اضافة اضافية، لفقدان تحكمها بأعصابها…وصلت الحمام بمعجزة،وحينما انهت المهمة،شعرت براحة الملدوغ من ثعبان عالي السُمية بعد حصوله على ترياق شافٍ .
رغم ما حلَّ بـ “إم العود” من موقف محرج من ” صدمة الترويع ” الا انها لم تتخلَ عن عادتها المكتسبة من امها ، منذ ان كانت يافعة عن متابعة اخبار النميمة، وفضائح الجارات.فقد كانت الرحومة امها شغوفة باحداث الحارة اليومية و مستجداتها على مدار الساعة. وكانت وصيتها الوحيدة ، لفلذة كبدها، ان تتقي الله عند التقاط الاخبار و اعادة بثها.فالقصة الواحدة تنتقل باكثر من رواية،ولكل راوٍ اضافاته الجديدة ووجهة نظره الخاصة بالمسألة..فمن المعروف لدى خبراء النميمة،ان المشكلة الصغيرة ،تصبح في نهاية المطاف رواية كبيرة تصلح ان تكون فيلماً هندياً او مسلسلاً تركياً،حيث ان الانسان بطبيعة تكوينه محكوم بثقافته،تركيبته النفسية ، بيئته ، نشأته التربوية،لهذا يجب التمحيص والتدقيق للتفريق بين الشائعة المسمومة والحقيقة الجلية. فطلعت ام العود نسخة كربونية عن امها ..حفظت تعليماتها الفاسدة عن ظهر قلب في حين لم تفلح في حياتها المدرسية في حفظ آية قران او حديث شريف يحذران من هذه عادة النميمة الذميمة.
آخر وصايا ـ المرحومة ـ قبل ان تشهق الشهقة الاخيرة قالت :ـ بُنيتي عليك ان تكوني حريصة في تعاطي المعلومات فانها اشد خطراً و كثر اذىً من المخدرات… ” ترى في ناس ما عندهم دين ـ برشوا على القصص بهارات حتى يسهل بلعها وفي ناس بصنعوا اخبار من دون اساس مشان تخريب بيوت الناس…. و عندهم لكل قصة عندهم خلطة سرية زي خلطات كنتاكي الكذابة…فعليك الغربلة لكي لا تظلمي احداً،وكي ارضى عنك بقبري”…وصية الوالدة ولدّ عندها ـ قدرة تحليلية بدائية ـ و حب استطلاع جارف، لمعرفة كل نأمة تدور حولها و استراق السمع عما يحدث في الحارة والحارات المجاورة.تبدأ يومها بجولة صباحية وجولة مسائية تفقدية لتستأثر بالسبق في بثها.اما داخل البيت فهي تكمن خلف النوافذ و احيانا خلف الباب حسب زاوية اللقطة المطلوبة لرصد اي مشكلة.فقد برعت في مهماتها “التجسسية ” حتى فاقت الست الوالدة ـ بشهادة الجميع ـ.خصوصا ان الله انعم عليها حاسة نظر قوية مثل نسر،تستطيع ان ترى خط سير نملة من مسافة عالية،و أُذني ثعلب ماكر دائم اليقظة ، تسمع بهما دبيب دودة تمشي الهوينا على ارض طينية.
دوي الطرقات على الباب لا زالت تتصاعد كقصف مدفعي ـ على طريقة الارض المحروقة ـ.تسمّر ابو العود خلف الباب وقال بصوت خائف مخنوق : مييييييييين . رد عليه الطارق : افتح…وَلك انا نايف ، ربنا يجعل ايامك طين…” ليش ميت خوف… شايفني لابس حزام ناسف “. بيد مرتجفة فتح له الباب من دون ان يدعوه للدخول،محملقاً فيه بعينين زائغتين تائهتين وشفاه يابسه. فبادره نايف بلهجة آمرة : ـ خذ طريق يا رجل «مال وجهك مخطوف مثل الي قابر اهله ». رد ابو عواد بلسان ثقيل متلعثم : يا رجل ما انت قطعت خلفتي …و فوق هاظَا فكفكت رُكب ام عواد حتى نقضت وضوءها .. ليش شو صاير بالدنيا حتى تخّبط على الباب مثل اغانينا الصباحية ،كأننا نازلين على معركة حربية،مش على وظائف هاملة ما بتطعمينا خبز.
ضحك ابو النوف حتى دمعت عيناه و قال : علشان حضرتك تعرف ان تلوث البيئة بيجي كمان من الطرقعة والصوت العالي.مشان هيك خلي ام عواد تحط كمامات على خشمها ،ترى شخيرها بخترق جدار الصوت و بزعج الجار السابع .بيني وبينك الجيران كتبوا فيها مضبطة للمحافظ ومضبطة بعثوها لوزارة البيئة حتى يلاقوا حل لوقف شخيرها…ابتسم ابو عواد رغم تقاطيع وجهه المشدودة و علامات الهلع الظاهرة عليه. واصل نايف حديثه :ـ لا تفكر اني بمزح.اسأل “عقاب” بالتلفون و اتأكد من كلامي…على كل حال انا جاي احكي معك كلمتين.وقبل ان يبدأ حديثه ـ كعادته ـ اخرج نايف قداحة هرمة من جيبه ثم طلب سيجاره من ابو عواد.بعد عدة محاولات من الضغط على الزناد افلح بإشعالها. سحب نفساً عميقاً ثم نفته بمتعة عالية.عندما افرغ ما في صدره من توتر و دخان قال جاداً : انت بتعرف انو دولتنا مديونة حتى خشمها ، والخدمات شبه معدومة . الاسوأ وزاراتنا صارت ملجأ للعجزة ، وتكية لـ ” علك الكلام و جق الحكي”. المشكلة مش هون…المشكلة حرمونا من كل إشي و بدهم يحرمونا من الحكي !.
اطرق ابو عواد قليلاً وهو يفرك يديه من شدة البرد وقال :ـ يا خوي ـ والله ـ مش فاهم منك إشي…هات من الاخر… قلي شو صاير…فقال نايف باسلوب المثقف الحكيم :ـ انت واحد منفصل عن الواقع. الم تسمع بالاخبار ؟!.يا رجل حكومتنا خداعة وما بتخاف الله…كمان استاذة في فن صناعة الضرائب،وقدرة استثنائية على الجباية…تصور وزيرة التطوير والاتصالات مجد شويكة مع انها مزيونة ـ زي فلقة القمر ـ وكنت افكرها حنونة،طلعت داهية زي ـ ابو عمك ابو خنانة ـ…بدل ما تكون معانا صارت علينا . وقفت مع شركات الخلوي حتى تِحْلبنا… يا رجل كيف بدنا نكفي تالي هالعمر…الكارثة انو ما في وزير عنده فكرة خلاقة…كلها تشليح بتشليح…النكتة مش هون ….النكتة في كتاب علي بابا و الاربعين حرامي ” تقرير ديوان المحاسبة” الي بتكتبه الحكومة بايدها ….لو قرأت التقرير الاخير،لعرفت افاعيل الوزراء،ومسخرة بعض كبار المسؤولين ـ كبرة على خازوق ـ … ما في واحد بقولك كيف نعمل مصنع بس كلهم، شغل بذخ،استهتار،نفقات بالشوالات…تصور اكراميات شوفير وزير العمل 6000 نيرة تنطح نيرة…بصرفوا عليك وعلى عيالك سنتين. الاسخم يا مسخم طقم كاسات شاي الوزير بـ 200 دولار.
هنا لم يحتمل ابو عواد احاديث نايف المسمومة ، فوقف على حيله صارخاً…حرام عليك يا رجل…ـ وزراءنا و المسؤولين طاهرين مثل حمام مكة…قدامنا اقسموا بالله على التلفزيون يمين الولاء الانتماء والحفاظ على المال العام.هؤلاء لا يمكن ان يفعلوها….شو ناقصهم…رواتب عاليه،تامين صحي،سفرات،مياومات،تعليم الاولاد مجاني،سيارات حكومية،سواقين، والله حرام عليك يا نايف تحط بذمتك….اضاف مدفوعاً بقناعة تبلغ حدود اليقين الراسخ في وجدانه ، ان الكبار حريصون على المال العام ـ كالتابعين رضوان الله عليهم ـ على استعداد ربط الحجارة على بطونهم من الجوع حتى يشبع الآخرون،و لا يغمض لهم جفن حتى ينام الناس بأمن وسلام : لا تظلم الناس….في قدامك جورة غميقة.الله بحاسبك….ترى رقيب وعتيد قاعدين على كتافك بسجلوا كل حرف. طيب يا نايف لو كلامك صحيح:ـ وين كانت الست نانسي باكير وزيرة التطوير السابقة عن الحرامية..؟!.وين مكافحة الفساد ؟!.وين مجلس النوائب ؟!.وين مجلس العميان ؟!.وين الست مجد شويكة ؟!.وين الصحافة المستقلة و الاقلام الحرة ؟!….وفي غمرة الانفعال نسي ابو عواد نفسه و راح يصيح : ـ ” وين الشعب الاردني… وين الشعب العربي…. وين الملايين…وين الملايين ؟!. جاوبني يا نايف ان كان هرجك صحيح.
هنا رمقه ابو النوف بنظرة كانها شظية ثقبت جمجمة راسه وقال له :ـ انا شايفك من قلة الزفر فقدت عقلك وقدرتك على التركيز.هل تعلم ان نقص فيتامين ب 12 له اعراض انفعالية عواقبها غير سليمة ، تدفع صاحبها الى مستشفى الفحيص او سجن جويدة…دليلي انك عايش على القلة… شارعكم ما فيه حاويه …معنى ذلك انك وربعك عايشين بعل حتى الكلاب تركته هجرته…متى بدك تشفى من هل المثاليات المعفنه الي “مقربط فيها” بيتك بدو يسقط على عيالك…الناس عم توكل بعضها بالشوارع…شوف قدامك الفيلات،اساطيل السيارات و انت مش قادر ترقع كندرتك بنص نعل…اصحً من نومك .
بعد تأنيب نايف الموجع المقنع، ضربت ابو عواد نوبة وعي لم يعهدها من قبل…اخذ يحدث نفسه بصوت مسموع :ـ كلامك صحيح يا نايف ..الحكومة من يومها تعمل على تطوير الاسعار لَفوق والخدمات بتطورها لَتحت:ـ و التطوير بدو تطوير ، و الاصلاح بدو مفتاح ، والمفتاح عند الحداد ، والحداد بدو بيضة ، والبيضة بالجاجة ، و الجاجة بدها علف ، والعلف بالطاحونة ، والطاحونة مسكرة ، فيها مية معكرة ، و المية بالحنفية ، والحنفية بدها جلدة ، والجلدة مخزّقة ….طاق طاق طاقية.. يا نانسي يا نشمية…قولي لمجد المزيونة….وين الخطة العشرية …وين الخطة المئوية…ما في خطه …ما في سخام …طاق طاق طاقية…رن رن يا جرس.
{{{ د. محمد ابو رمان }}}
في زمن التحولات الحادة والانقلابات على القيم وانفلات المباديء .عليك ان تحمل مصباح ديوجين في وضح النهار لتبحث عن احد الندرة المخلصين،بعد ان تقلصوا الى حدود غير مسبوقة في زمن الرويبضات الجهلة…احد الندرة النادرة المتميزة بالثبات على الموقف ، الرسوخ على القيم ، التمسك بالمباديء ،التحلي بالاخلاق الحميدة د.محمد ابورمان … نسج لنفسه وحولها منظومة قيمية ، تدفعك الى احترامه حتى ولو اختلفت معه،و تقدّر رايه وان كان يسير في عكس سيرك ، لانه لم يقترب يوماً من شبهة،ولم يبحث عن شهرة .شأن كل رجل علم همه نشر الوعي والقبض على ناصية الحقيقة والسعي الى اصلاح واقع مريض بحاجة الى تفكيك و اعادة ترتيب وتركيب. د. محمد :ـ ظل الثابت لا المتحول رغم حساسية موقعه،وشدة تأثيره،ومدى اثره. تحس في لغته وهجاً يلفحك بحرارة صدقيته من السطر الاول،ويتسلسل معك حتى تؤمن بفكرته المطروحة في مقالته…الاحلى احساسك بحلاوة الذائقة الادبية في جمله،عمق الابحار الفلسفي في تراكيب عباراته،ومعاناة الانسان في ثنايا سطوره.
في مقالته علم وثقافة.وقائع دامغة و حقائق رقمية.اجمل ما فيه انه يعطيك جرعة توعوية في كل مقالة.اجمل من ذلك تراه حريصاً ان ينأى بنفسه عما يسقط به الآخرون من العاملين على الريموت من تلقيم القراء بمعلقة التلقين. اللافت فيه انك قلما تخرج من طروحاته دون حكمة او رؤية مبتكرة.اما سر انشداد القُراء اليه انه يبذل جهداً استثنائياً واستقصائياً في ما يكتب من كتابات جادة،تتميز بالتسلسل المنطقي الرصين والترابط المعرفي الوثيق.خاصة عندما يفتح الملفات الجدلية المتشعبة والمعقدة.باختصار د.محمد شخصية كارزمية ذات هالة وضاءة،ولباقة اجتماعية عالية ولياقة نفسية فائقة.دليلنا العلمي والواقعي انه تخطى الحواجز من دون ان يتعثر بعارضة او يلمس باطراف اصابعه حاجزاً يقفز من فوقه. لهذا لم يشاكس احداً او يشاكسه احدُ، وهذه مهمة الكاتب التنويري الذي يعمل في ميدان الاصلاح لا الاستفزاز،فاحتفظ باحترام الجميع.
د. ابو رمان باحث نشيط في مركز الدراسات الاستراتيجية الاردنية الذي احتل المرتبة الاولى على مستوى الشرق الاوسط لعام 2016 متقدما على الثلاثة الكبار تركيا،ايران ،و ” اسرائيل “،ومتخطياً مراكز عتيقة وعريقة يشار اليها بالبنان في الدراسات الاستراتيجية كالجزيرة ، الاهرام ، كارنيغي / بيروت. فوق كل هذا اقتحم مركز الدراسات الاردني العالمية بجدارة،و اصبح يزاحم العمالقة الكبار في بعض الميادين.المركز الاردني رغم امكانياته البشرية والمالية المحدودة تميز ” بانتاجه المعرفي ونشاطه البحثي “. .كنا نأمل ان يُكّرم الفريق الذي شال المركز على اكتافه،رغم ظروفه الصعبة الى مصاف العالمية،بدءاً من د. موسى شتيوي ، د. محمد ابو رمان الى باقي الجنود المجهولين ، الا انه للاسف رغم الجهوده الاسطورية للفريق والمكانة العلمية للمركز التي شقها على الخارطة العالمية ، فقد انتصر فريق اعداء النجاح،و قوى الشد الى الظلام في التعتيم عليه….اقول قولي هذا واستغفر الله لي و لكم…