التطرف والإرهاب والعلاج / راتب عبابنه

التطرف والإرهاب والعلاج
لا نفشي سرا عند القول أن بين ظهرانينا العديد من المتطرفين والمتزندقين والمضللين. وهؤلاء المتطرفون المتشددون بمثابة مشروع لتفريخ الإرهابيين ويتحينون الفرصة للإنقلاب على الوطن ويلتحفون بثوب الإرهاب المنادي بتحرير الأوطان من الكفر لإقامة دولة العدل حسب مفهومهم القائم على التطرف والتشدد والبعيد عن الدين الحنيف.
من الحكمة والمصلحة الوطنية إجهاض ووأد هذا المشروع وتفويت الفرصة لكي ننعم بالطمأنينة من خلال البحث والتحليل والدراسة للوصول لجذور الدوافع والأسباب والظروف التي خلقت المناخ وجذبت العديد من الشباب للتقوقع تحت مسميات ظاهرها ديني براق وباطنها غير منسجم مع الدين القائم على الوسطية والإعتدال والرحمة.
فهناك السلفي والتحريري والحبشي/الهرري والمحمدي وجميعها تشكل خطرا كبيرا على الإسلام الحقيقي وعلى المجتمع الأردني برمته من رأس الهرم حتى قاعدته. وليكن تركيزنا على الإتجاه السلفي و”حزب” التحرير. فهما الأكثر جذبا واحتضانا للشباب الذي قذفت به ظروف الحياة الصعبة لحضن هاتين الجهتين والتي زادتها حكومة عبد الله النسور صعوبة.
الأولى تكاد تكون فكرا قائما على كل ما هو شكلي وفرعي، إذ التركيز على المحرمات والمكروهات والنواهي أكثر من إظهار الحلال والمباح والمرغوب. الأديان السماوية ثلاثتها تدعو للمحبة والتسامح والتآخي والسلام بين المجتمعات. لكن تصرفات الأفراد ليست مقياسا صادقا لمدى الصوابية وكمسلمين نحن نؤمن بأن الإسلام هو خاتم الأديان وناسخ لما قبله.
أما الجهة الأخرى فهي تنظيم محظور وبمثابة حزب غير مرخص ويعمل في الخفاء وهو قائم على مبدأ “إذا صلح الرأس صلح الجسد” وهو أساس الخلاف بينهم وبين الإخوان المسلمين الذين يؤمنون عكس ذلك أي “إذا صلحت القاعدة صلح الرأس”.
الأهم من كل ذلك، الأسباب والدوافع والبيئة الحاضنة والتي قادت لتشكل هذه الإتجاهات حتى ترعرعت وكبرت وباتت تشكل مصدر خطر على الدين والمجتمع والنظام. وجميعها بالمجمل ذات توجه سوداوي لا يؤمن إلا بمن يؤمن باعتقادهم ومن يسير على نهجهم ويحمل ويتبنى فكرهم. فما الذي يدفع بالمندفعين للإرتماء بأحضان هذه التوجهات المنظمة؟؟
هذه التنظيمات وما ماثلها تعمل للخلاص من الأنظمة والحكومات التي من وجهة نظرها أنظمة وحكومات فاسدة وضالة ولا تقيم الإسلام ولا تحكم بشرع الله ولا تتبع الكتاب والسنة.
نضيف لذلك قلة فرص العمل ولا نقول انعدامها وهي من صميم مسؤولية الحكومة بالمعنى المطلق وليس الحصري، رغم اشتطاط الحكومة الحالية بهذا الشأن. وهذا الحال كان سببا بدفع الكثيرين للبحث عن بديل وغطاء لما بدأ يتولد ويختزن داخل الصدور من شعور بالحاجة والغبن.
ومن منظور هؤلاء لا بيئة تحويهم وتحتضنهم وتخرج ما بداخلهم من كبت وغضب وربما حقد وعدوانية تولدت لديهم جراء المعاناة أفضل من بيئة سلفية أو تحريرية. عندها تلتقي المصالح وتتوحد الأهداف فتسهل لغة التخاطب وطرق التفاهم والتناغم بين الطرفين يوحدهم الهم المشترك وهو العمل ضد النظام والدولة والوطن بشتى الوسائل المتاحة لإيمانهم بأنهم يصلحون المجتمع ويصححون المسار ويقضون على الفساد والفسق وينشرون الأخلاق الحميدة مما يقودهم لإقامة دولة حكم “إسلامي” حسب فهمهم وتفسيرهم للقرآن والسنة.
وهناك سبب آخر لانجراف الشباب وانحرافهم وهو التضليل الذي يمارسه أصحاب “الحضن الدافئ” وينطلي على من يفتقر للدراية والمعرفة وتتوفر لديه الأسباب الإجتماعية والإقتصادية مما يجعله فريسة سهلة للترويج المعسول ودغدغة العواطف واللعب على وتر الشهادة وحوريات العين التي بانتظارهم في الآخرة بحال انخراطهم وتكريس حياتهم لنصرة هذا الفكر “المنجي”.
من مسؤوليات الحكومة وأولوياتها التصدي للتحديات والمنغصات ومشاكل المجتمع والسلوكيات التي لا تنسجم مع دين الدولة ورصدها وتحديدها في المهد لتسهيل توفير العلاج. أما الإنصراف عن المسار الحقيقي والدور الخدمي تجاه المواطن والتوجه كليا نحو تحقيق مصالح الكبار والنخبة والمتنفذين لن يؤدي إلا إلى ما أدى إليه هذا النهج الخاطئ وها نحن نعاني من تبعاته. لقد كان من الممكن تحديد وتقييد وتقزيم تلك الإتجاهات من قبل المعنيين لو توفر العزم والحزم والنية الصادقة للعمل على قتل الأسباب والدوافع الموصلة لهؤلاء المضللين وانغماسهم بالضلال. إذن، عند تحقيق المساواة والعدالة وتساوي الفرص، لا بد وأن ينصرف هؤلاء عما هم منزلقون به. وحتى لا يأخذني أحد على غير محمل، ليس هذا تبرير أو دفاع عما يقترفوه بقدر ما أراه تقريرا يبين حالة معينة تحتاج العلاج.
لذلك وكما يقول مثلنا الدارج “دق الحديد وهو حامي بجاوب معك” ونحن في خضم حربنا على الإرهاب وبالمرصاد لمن يفكر بإيذاء الوطن ومستمرون بالرصد أراها فرصة لا تعوض بالإتكال على الله والعمل على إعمال القانون وتفعيله لينظف الأردن من هؤلاء الحاقدين.
الحكومة وإعلامها والإعلام الخاص والأجهزة الأمنية جميعها مدعوة اليوم للقيام بحملات توعية على الفضائيات وفي الصحف الورقية والإلكترونية ببيان الوجه السمح للإسلام وبيان بطلان ما يدعيه الضالون. كما أن وزارة التربية عليها مسؤولية عظيمة تجاه أبنائنا بتوعيتهم في المدارس وتخصيص محاضر لتوعية الطلاب ولو مرة واحدة بالشهر. ووزارة الأوقاف أيضا يمكنها من خلال وعاظها وأئمة المساجد من أن تصنع الكثير بهذا الشأن. كما أن الحكماء والعقلاء وذوي الرأي من المثقفين يمكنهم الإسهام في التوجه العام لنشر الفضيلة وبيان بطلان المعتقدات والسلوكيات التي يتبناها أصحاب الفكر التكفيري والإنتحاري.
نخلص إلى أن على الحكومة مسؤوليات وواجبات تجاه المواطنين لو قامت بها خير قيام كما أقسمت على كتاب الله كان يمكن أن يكون حالنا أفضل بكثير مما نحن به اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وسكانيا. أما النهج الحالي الذي تبنته الحكومة أثبت فشله وعدم جدواه، بل أتى بنتائج عكسية مما جعل الكثير من الشباب عالة على نفسه وعلى أهله وعلى المجتمع ودفع بالكثير منهم للتعاطف مع التنظيمات الإرهابية كداعش والإرتماء بأحضان جهات لا تريد الخير للأردن.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى