التضييق على حريّة التعبير سحبٌ للدّسم من #الديمقراطية #الأردنية
رغم تعدد برامج #التحديث_السياسي والاقتصادي والاداري ،ورغم إقرار #تعديلات_دستورية كثيرة خلال السنوات العشرة الماضية، ورغم سن قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات النيابية وعشرات القوانين الاخرى، فإن الديمقراطية الاردنية تواجه تحديات صعبة تجعل حالة من الشك وعدم التأكد هي الحالة السائدة لدى العديد من قادة الرأي والسياسين الاردنيين المهتمين بالشأن العام.ولعل إقرار قانون الجرائم الالكترونية مؤخرا من قبل البرلمان بغرفتيه اضافت مزيدا من الشك وعدم الثقة بمسارات الديمقراطية الاردنية.
ففي الوقت الذي نستمع فيه لكلام جميل من الملك وحكومته عن الاصلاح السياسي وتشجيع الاردنيين وخاصة فئة الشباب وطلاب الجامعات على الانتساب للاحزاب ،والمشاركة السياسية ،والاشباك الايجابي بقضايا الوطن ،فإن الوقائع على الارض تشي بأن الدولة تعيق العمل الحزبي ،أو بالأحرى تشجع الأحزاب التي تدعم السلطة ومحسوبة عليها في الوقت الذي تضع فيه كافة العراقيل امام الاحزاب المستقلة حيث تتربصها ،وتقعد لها كل مقعد، وتشجع منتسبيها عبر الترغيب والوعيد على الانفكاك من عضويتها ،واحيانا سجن بعض منتسبيها تحت ذرائع واهية.
لا نريد ان نتوسع كثيرا في الحديث عن البون الشاسع بين ما تعلنه الحكومة عن برامج التحديث ونشر الديمقراطية وبين ما تمارسه على الارض من ممارسات تتصادم مع ما تبوح به وتعلن عنه ،ولا نريد ان نتحدث عن المآلات والانعكاسات السلبية على مشاعر المواطنين ومدى ثقتهم بالحكومات واعلاناتها وتصريحاتها ،حيث بات يدرك الناس ان المسؤولين يقولون امورا كثيرة ويفعلون عكسها.
حديثنا هنا يتركز على النتائج الكارثية لتقييد حرية التعبير كما ورد في القانون الجدلي للجرائم الالكترونية على مسيرة الديمقراطية.فكما اشار العديد من الفقهاء القانونيين والمفكرين السياسيين امثال جبرائيل ألموند ،وفيربا ،ومونتيسكيو ،وجاكوربيه ،وفرد رجز وغيرهم فإن حريات التعبير تشكل العصب الرئيسي لكافة اشكال وهياكل الديمقراطية ،فلا انتخابات دون حملات انتخابية يتم التعرض فيه بالانتقاد للأوضاع الراهنة في الدولة وتقديم برامج تصحيحية مقترحة خطبا لدعم الناس في صناديق الاقتراع،ولا حياة حزبية حقيقية ما لم تتوفر الحرية لنقد الحكومات والمسؤولين وفضح ممارسات الفاسدين والموظفين الذين يستغلون وظائفهم وصلاحياتهم وسلطاتهم لتحقيق مكاسب خاصة،ولا شفافية دون تفعيل وإنفاذ قانون الحق في الوصول الى المعلومة، إذ ان عدم تفعيل هذا القانون يعني انه يمكن محاسبة اي كاتب بنشر أخبار كاذبة لان المعلومة عند الحكومة وبالتالي يمكنها ان تستخدم المعلومة لاثبات عدم صحة ما ينشر الكتاب،ولا قيمة للإنتخابات البرلمانية اذا تدخلت الحكومة بشكل مباشر او غير مباشر عبر اجهزتها او الترويج لتأييدها لبعض المترشحين دون غيرهم،ولا قيمة للتحديث السياسي اذا استمرت ممارسات الحكومة في استقطاب مؤيديها والمحسوبين عليها والمسبحين بحمدها لتعيينهم في المواقع القيادية في الدولة والمؤسسات المستقلة في الوقت الذي يتم عزل واستبعاد الأكفياء ممن لهم اراء سياسية ناقدة للحكومات والمسؤولين.
أبرز مسوغات واساسيات حرية التعبير التي تحظى بإجماع العلماء والممارسين للديمقراطية هي أن لا يخشى الكاتب او المواطن او الناقد او العالم ان يترتب على إبداءه لرأيه او تشخيصه لمشكلة او ظاهرة اي خسارة في الحقوق او الامتيازات او الفرص او الخوف من السجن والاهانة وخسران الحقوق. إن التقييدات على حرية التعبير الواردة في قانون الجرائم الالكترونية سيئ الذكر تسحب كامل الدسم وجميع الفيتامينات المفيدة من مجمل برامج التحديث السياسي ،وتفقد الحياة الحزبية والمشاركة السياسية للمواطن من دسمها، وتفرغ كافة الهياكل السياسية وادوات الديمقراطية من مضمونها لتجعلها شكل دون محتوى ومضمون.تقييد حرية التعبير كما ورد في قانون الجرائم الالكترونية تمثل انقلاب على الديمقراطية ومبادئها القائمة على التحرر من الخوف من ابداء الرأي والحق في ممارسة النشاط السياسي وانتقاد السلطة والقائمين عليها.
الاردنيون ينظرون وينتظرون بترقب موقف الملك من هذا القانون حيث انه هو رأس السلطات الثلاث ،وهو من يملك رد هذا القانون او التوقيع عليه كما نص الدستور. والاصل ان الملك ايضا حام للحريات وهو من نادى في اوراقه النقاشية بضرورة احترام حريات التعبير وتشجيع المشاركة السياسية واحترام حقوق الاردنيين في النقد وابداء الرأي في القضايا العامة.
تقييد حريات التعبير وفق قانون الجرائم الالكترونية سيكون له نتائج عكسية وسلبية(Counter productive) على تطور مسيرة الديمقراطية الاردنية وسيشعل جذوة السلوك المتمرد والثوري في نفوس الاردنيين لما للحرمان من حريات التعبير من آثار نفسية واجتماعية وسلوكية على الناس.إن الحجج والمسوغات التي يعتد بها من صاغ هذا القانون ومن أيده وصوت لصالحه ودافع عنه حجج واهية ولا تصمد امام الواقع، فقانون الجرائم الالكترونية الحالي وقانون العقوبات تؤدي الغرض وتحد من النفر القليل من النشطاء الذين يتناولون الآخرين بالتجريح والقدح والتحقير فهل من مدكر