التسريبات عن أملاك وثروات الحكام العرب وردود الفعل الواهية

التسريبات عن #أملاك و #ثروات #الحكام #العرب وردود الفعل الواهية
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
تطالعنا الأخبار بين الفينة والأخرى عن الأرصدة الطائلة والعقارات والعرصات (مفرد عرصة وتعني ممتلكات)التي يمتلكها بعض القادة العرب.تسريبات ويكيليكس،بنك كريدي سويس، وثائق باندورا،قائمة فوريس لثروات مشاهير العالم وغيرها تتناول الثروات الخاصة لملوك ورؤساء ومشاهيرالعالم وزوجاتهم وأسرهم. في كثير من الأحيان تتسبب هذه التسريبات عن الثروات الهائلة للحكام العرب بحرج شديد أمام شعوبهم خصوصا عندما تكون هذه الشعوب تعيش شكل أو حالة من حالات الفاقة والبطالة والفقر،وترزح موازنات بلدانهم تحت أعباء مديونية غير مسبوقة تجاوزت في بعض البلدان الناتج المحلي الإجمالي.
الأغلبية الساحقة من الحكام العرب الذين تتناولهم هذه التسريبات تلتزم الصمت وتختارعدم مواجهة هذه التسريبات في حين يضطر عدد قليل من هؤلاء الحكام إلى الرد عبر بيانات رسمية صادرة باسم مكاتبهم أو دواوينهم الأميرية أوالرئاسية أقل ما يقال فيها انها بيانات واهية وغير مقنعة ولا تجيب عن مصدر هذه الثروات ولا عن موجبات إيداعها في بنوك ومصارف خارجية في الوقت الذي تعاني فيه إقتصادات بلدانهم وموازناتها من شح في التمويل وضعف في القدرة على خلق فرص الاستثمار والتنمية لغياب رأسمال اللازم.ولعل المثير والمحير في هذا الجانب دعوات الحكام والقادة العرب المتكررة إلى استقطاب الإستثمارات الأجنبية إلى بلدانهم في الوقت الذي يقومون فيه باستثمار أموالهم مجهولة المنابع والمصادر خارج بلدانهم!
من حق القادة والحكام العرب أن يكون لهم أملاك ومدخرات واستثمارات، شأنهم في ذلك شأن أي مواطن يكسب من جهده وعرق جبينه، شريطة أن تكون هذه الاستثمارات والأملاك جاءت من مصادر مشروعة ومعلومة ،وأشدد هنا على أن تكون معلومة ومعلنة وفق أنظمة دستورية وقانونية يتم احترامها وتطبيقها .ثقة المواطنين بقياداتهم وحكامهم قضية غاية في الأهمية والحيوية لاحترام هؤلاء المواطنين للقوانين والممتلكات العامة والمال العام فلن يتمكن الحكام من الحصول على ثقة مواطنيهم ما دامت مصادر ثروات هؤلاء الحكام والقيادات غير معروفة أو غير متأكد من مشروعتها.
قادة الدول الديمقراطية ونوابهم وكبار المسئولين في هذه الدول يقومون عشية وصولهم لمواقعهم السياسية بالإفصاح عن كامل ثرواتهم وأرصدتهم واستثماراتهم، وفي معظم هذه الدول تخصص السلطات الرسمية لجان أو هيئات خاصة لإدارة استثمارات الرؤساء وذلك تجنبا لإمكانية التضارب بين العام والخاص، والإفادة من سلطات الموقع أوالإثراء بسببه. المحزن أن المنظومات القانونية في الدول العربية أحجمت عن تنظيم هذا الجانب المتعلق بضرورة إفصاح القادة والحكام عن مصادر ثرواتهم ،لا بل يصعب في معظم هذه الدول التفريق بين المال الخاص للحاكم وبين المال العام.
الملفت أن إغفال المنظومات القانونية في الدول العربية لتنظيم علاقة الحكام بالمال العام ،وموازنة الدولة، والتفريق بين ثروة الحاكم وثروة الشعب ،هذا الإغفال يبدوا متعمد ومقصود ولم يأتي عن جهل أو من فراغ والدلالة على ذلك أن المشرعين في معظم هذه الدول وضعوا نصوصا قانونية ملزمة تتطلب من شاغل أي وظيفة رسمية قيادية (دون الحاكم أو الملك أوالرئيس أو الأمير) أن يقوم بالإفصاح عن كافة ثروته وممتلكاته الشخصية وتلك التي تعود لزوجته/أو لزوجه وأبناءه قبل تقلده لوظيفته العامة.
إن تحري الإثراء من الوظيفة العامة ،والتربح منها، واستغلال المعلومات الرسمية المتاحة للمسئول واستخدامها لأغراض شراء العقارات ،والإستثمار، والإحتكار ،وتقاض العمولات على المشتريات العامة، وأحيانا الإعتداء على المال العام وغير ذلك من التجاوزات قضية صعبة التحقيق والتنفيذ في ظل غياب المساءلة للقادة والحكام العرب.نسمع عن قيادات أمريكية وأوروبية تستقيل وأحيانا تحاكم على خلفية استخدام مركبة رسمية لأغراض خاصة ،أو القيام بممارسات تتضمن تضارب المصالح ،أو الإساءة للمال العام.
الجانب الأخطر في موضوع غياب التشريعات الناظمة لعلاقة الحكام العرب بمقدرات دولهم والخلط بين ممتلكاتهم وممتلكات الدولة يكمن في أن صورة هذا الخلط تمتد إلى من هم دون مرتبة الحكام لتصل إلى بطاناتهم والقيادات الإدارية العليا والوسطى ودونها…كيف يمكن أن تقنع القيادات الإدارية في في أجهزة الإدارة العامة للدولة أن المال العام مقدس وهو ملك للشعب والإعتداء عليه يرقى إلى مستوى جريمة إذا كانت حكام هذه الدول ورؤسائها يمتلكون ثروات هائلة ومجهولة المصدر…كيف يمكن أن تقنع المواطن العربي بأهمية وضرورة المحافظة على الممتلكات العامة وخزينة الدولة في الوقت الذي تختلط فيه ثروة الحاكم مع ثروة الشعب…كيف يمكن أن تقنع المواطن العربي بدفع الضرائب والرسوم ومستحقات الخزينة العامة في الوقت الذي يسمع فيه المواطن العربي من خلال ويكيليكس وباندورا وفوربس عن ثروات وممتلكات وعقارات وقوارب بمليارات الدولارات دون امتلاك القدرة على الحصول على إجابة على سؤال”من أين لك هذا ؟”.
تلجأ بعض القيادات العربية إلى مهاجمة ويكليكس والمصادر العالمية التي تكشف عن ثرواتهم ،وتسارع إلى اتهام هذه المصادر بعدم الدقة ،أو استهداف دولهم ومواقفهم الوطنية واستقرار بلادهم، وتشويه صور قياداتهم ،والحقيقة أن ردود الفعل هذه لا تصمد أمام العقل والمنطق.ونتساءل هنا ما مصلحة ويكيليكس، وقائمة فوربس ،وإفصاحات البنوك في استهداف دول بعينها ! قائمة فوربس تضم قيادات ومشاهير من كل دول العالم ولا تقتصر على إفصاحات عن ثروات الحكام العرب ،وكذلك إفصاحات باندورا وغيرها…نعتقد أن على حكام العرب أن يحترموا عقول وذكاء شعوبهم وعليهم مكاشفة شعوبهم وبيان مصادر ثرواتهم ووضع التشريعات التي تكفل ذلك بدلا من تنديدهم بالجهات التي تكشف عن أرصدتهم وعقاراتهم وممتلكاتهم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى