نحو توحيد الخطاب الإسلامي
عندما يكون موضوع الحديث عن الإسلام ، لماذا يستوقفك البعض قائلا : أوضح لي عن أي إسلام تتحدث ؟
هل حقا أن الإسلام أصبح أنواعا مختلفة ؟ أم أن فهمه وتطبيقة تعدد وتنوع ؟
سنتعرض تاليا لبحث اللبس الحاصل في المسألتين .
بداية لا بد من التأكيد على الحقيقة المؤكدة بأن أهم ما ميز الإسلام هو وحدة المبنى العقيدي ، والذي هو مبدأ التوحيد ، ووحدة الوعاء الحاوي وهو عبادة الله والتقرب منه بعمل الخير لذات العابد ولغيره ، مع التأكيد أن جوهر العبادة ليس فرديا شخصيا بل هي عملية تشاركية مجتمعية كالشبكة يحمل بعضها بعضا ، ثم وحدة الهدف الذي هو سعادة الإنسان في الدارين .
لذلك كان استيعاب هذه الوحدات الثلاثة متباينا بين الأفراد ، فنشأت الإختلافات في فهمها وبدرجات متفاوتة ، فالوحدة الأولى تم الإتفاق عليها بسهولة بسبب سهولة الإقتناع بوحدانية الخالق وعدم منطقية تعدد الآلهة ، أما الوحدة الثانية فقد دخلها بعض التباين بسبب مرونة الفقه ودخول عناصر الإجتهاد والقياس وإجماع العلماء في بعض أقسامه ، والتي هي متغيرات ظرفية يحكمها الزمان والمكان ، فيما الكتاب والسنة ثابتان مهما تغيرت الظروف .
أما الوحدة الثالثة وهي تحقق السعادة للإنسان في الدنيا فقد حدث فيها اختلاف مبكر ، بسبب تباين المصالح ، وبدءا من الخليفة الثالث ، وبسبب التوسع المفاجيء في رقعة الدولة الإسلامية وبنسق لا يوازي قدرة مواطني الدولة ( الذين هم من منابت وقوميات مختلفة ) على استيعاب مبادئ وتشريعات الدين الجديد ، والذي هو بلا شك لا يرقى إلى فهم الدائرة الأولى وهم الصحابة والتابعين . كانت مبررات الإختلاف مصلحية في مجملها ، مع أن تبريرها كان المصلحة العامة .
نشأ من جراء ذلك فرق ومذاهب تنازعت فيما بينها وتقاتلت ، وخيل للبعض أحيانا أن الدين سيتحول الى مذاهب متشاحنة كما حدث مع المسيحية ، لكن وجود الكتلة العظمى من المسلمين متحدون تحت مسمى : أهل السنة والجماعة ، أبقى المنهج الإسلامي واحدا لكن ظلت الإجتهادات داخل هذا الجسم الرئيس مجرد اختلافات فقهية في فهم المتشابهات وليس جوهر العقيدة .
من هنا حافظ الإسلام على التوحد الى حد التطابق في الجزء الأهم وهو الإحتكام الى الكتاب والسنة في أمور العقيدة ، ولم تخالف أية فرقة نشأت هذا المبدأ ولذلك بقيت جميعها ضمن جوهر الإسلام ومبادئه .
هذه الحالة الفريدة من التوحد توجد فقط في الإسلام ، إنما الإختلافات بين أصحاب المصالح السياسية هي التي باعدت بينها ، لكن السؤال يبقى : إذا كان الأمر كذلك .. فلماذا يكفر بعض هذه الجماعات بعضها الآخر ويخرجونهم من الملة ؟؟ .
للإجابة سنأخذ الحالة الراهنة من استفحال الخصام بين أهل السنة والجماعة التي تمثل أكثر من 80 % من المسلمين وطائفة الشيعة التي تمثل 15 – 18 % ، الأصل في الخصومة يعود إلى الخلاف بين الإمام علي الخليفة الرابع وبين معاوية الذي كان واليا على الشام ، الذي استغل انتسابه لبني أمية وقميص عثمان الشهير لاغتصاب الحكم من علي ، وبعد أن نجح في ذلك ثارت جماعات كثيرة عليه أبرزها الذين تشيعوا لعلي .
ورغم أن العباسيين نجحوا أخيرا بالقضاء على حكم بني أمية ، إلا أن ذلك لم يكن كافيا على ما يبدو لإنهاء الإنشقاق . لأن الأطماع بالحكم ظلت على الدوام تصب الزيت على النار بهدف التأليب على الآخر .
إذن الخلاف في مجمله ليس على جوهر العقيدة ولا حتى على الفرعيات بقدر ما هو تحزب وتخندق بدوافع أطماع سياسية ، والدليل على ذلك أن الخلاف الرئيس هو على مبدأ ولاية الفقيه وقصة الإمام الغائب ، وليس على أركان الإسلام ولا على الأحكام الشرعية ، إلا في بعض الفتاوي المحدودة ، والتي يرجعها المرجع الشيعي ” محمد حسن فضل الله ” إلى أن الفقه الشيعي اتبع الأحاديث الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام التي كانت في غالبيتها أجوبة عن أسئلة السائلين في موضوعات جزئية ، من غير التنبه إلى ظروفها الموضوعية ” .
في المقابل يرفض أهل السنة والجماعة مبدأ ابقاء الحكم موقوفا على أهل البيت بل يعتبرونه جائزاً لهم ولغيرهم شريطة استيفاء الشروط المتحققة في الحاكم ، ويستندون في ذلك إلى أن الرسول ( ص ) لم يوصِ بمن يخلفه ، إلا أنه أشار إلى أبي بكر بأن يؤم الناس عندما اشتد به المرض ، ولم يكلف به علياً رغم منزلته العظيمة عنده .
الخلاصة : لا توجد هناك صور أو أنواع للإسلام فهو واحد محدد بوضوح ، وعبرت عنه الآية الكريمة ” يخرجهم من الظلمات الى النور ” فلم يقل عز وجل الأنوار لأنه نور واحد كخط مستقيم بين نقطتين فهو واحد ، والظلمات كالخطوط المعوجة متعددة ، أما الإعتقاد بان لأي مذهب أو فرقة إسلام مختلف فهو وهم يحب أن يتخيله معادو الإسلام وكارهوه … وعليه فكل من يسألك : عن أي إسلام تتحدث ؟ … بسؤاله ذاك يدلك على أنه لا يضمر للإسلام خيرا .
– للإطلاع على المزيد من انتاج الكاتب يرجى الدخول على صفحته على الفيس بوك : صفحة الدكتور هاشم غرايبه
