التحرر العربي.. والتحرير الفلسطيني

#التحرر_العربي.. و #التحرير_الفلسطيني
#فؤاد_البطاينة
#المقاومة لتحرير #الأوطان ودرتها فلسطين، ليس أمراً جدليا للشعوب العربية في أقطارها ولا لأصحاب النوايا السليمة. فهي الوسيلة الأنجع بل الحصرية. وهي الأكرم والأشرف. إنها لفلسطين معيار الوطنية والقومية والإنسانية، ونداء تاريخي وعقدي وقانوني. لكنها عند حكام العرب تجاوزت الجدلية إلى التحريم. ولا غرابة حين يؤتى بهم بالتبني ليصبحوا الأدوات والواجهات المحلية لتجربة الإستعمار الجديد بالوكالة في بلادنا. حتى باتت معظم الأقطار العربية كعربات الأطفال مجهزة بكل قطعها المجسمة، وتُسَير بجهاز التحكم،ويُجسد الشعب طفلا يبحث عن الطعام واللهو.
هذا الإستعمار المغلف لبلادنا، يجهد لكسر الحاجز النفسي بين شعوبنا والمستعمرين الصهاينة والمتصهينين، ولتحويل صفة الإحتلال لفلسطين ولما بعدها لواقع تاريخي وتوراتي مزيفين. فتطبيع الحكام وأنظمتهم ليس هدفاً بقدر ما هو وسيلة لتطبيع شعوبنا. فهم يسعون لإضعاف وإفقار الأقطار العربية وتخلفها وإذلالها وصولاً لإرجاع السبب لتمسك شعوبنا بتاريخها وقيمها ومفاهيمها وعقيدتها الدينية بالذات كمكون أساسي للثقافة. فهناك غزو ثقافي تتعرض له أمتنا العربية قائم على التشويه المترافق مع تصدير الأدوات الصهيونية الإجتماعية الهدامة للمجتمعات. لا حلول وسط في حالة الإحتلال أو الاستعمار، ولن يقابل التطبيع والصمت عليه في بلادنا سوى تصاعد التطرف في الكيان المحتل سواء كان التطرف صامتاً ينهش بتحتانية أو مُعلناً يفتك مفضوحاً ومعرى.
شعوبنا اليوم في أقطارها المطبعة بالعلن أو من تحت الطاولة أو التي تلتزم بالحيادية وتعلق على الحلول السلمية أو التي ترتعد من تأييد أو دعم المقاومة الفلسطينية، كلها دجنت لتعتقد خطأ بأنها في دول مستقلة. وتُرجِع وهماً فشل دولها وحالتها المتهالكة إلى فشل أنظمتها في الحكم والإدارة، لا إلى كونها دولاً مستعمرة وأنظمتها وكيلة بتنفيذ النهج السياسي المطلوب منها في أقطارها، ولا تُدرك بأن الفارق ما بين حالتها وحالة الشعب الفلسطيني هو بالشكل. إذ فلسطين تحت الاستعمار المباشر القديم بينما دولها تحت الإستعمار غير المباشر من ذات العدو الذي يسير بها بنعومة الغيبوبة إلى مسح الذاكرة وفقدان الهوية بكل فروعها، وفقدان الموروث والأوطان. فمسألة الشعب الفلسطيني مسألة تحرير، ومسألة بقية الشعوب العربية مسألة تحرر.
والعلاقة ما بين التحرر العربي والتحرير الفلسطيني ترابطية الصلة والنتائج. فتحرر الدول العربية وتغيير تموضعها السياسي يصب مباشرة في صالح التحرير الفلسطيني، وإذا سبقه التحرير الفلسطيني فسيُفشل المشروع الصهيوني وأدواته في المنطقة وتنجو الدول العربية. أما الأبطال في هذه المعادلة هم الشعوب العربية في دورها داخل أقطارها، والشعب الفلسطيني بمقاومته. فالحكام العرب المعنيين جزء أساسي من المنظومة الإستعمارية واحتلال فلسطين وتكريسه وشيطنة المقاومة الفلسطينية ومحاصرتها. ولن يكونوا جزءا من الحل إلّا بالرجوع للشعب وتسليمه السلطة في قالب ديمقراطي ولا أعتقد أنهم قادرون على هذا طواعية. وبالمناسبة فإن قرارات القمة كسابقاتها ممعنة في الإيهام والتضليل لافتقادها لقرارات بنيتها السياسية التحتية التي تسبقها.
أما الحالة الفلسطينية كحالة احتلال مباشر ومعلن فتجعل من الشعب الفلسطيني في حالة تحرير يُفترض أن تكون واعية على طبيعة الاستعمار الصهيو يهودي لفلسطين التي لا يعدلها هشاشة وضعفا أية حالة في التاريخ. وما اصطناع دولة باسم اسرائيل إلّا لتغييب فكرة الاستعمار الإحلاي، والتغطية على هذه الهشاشة، فليس من دولة في التحالف الغربي الذي أقامها من لا تدرك بأنه كيان وظيفي فرص بقائه معدومة، وليس من مقيم أو مستوطن فيه إلّا مغامر لا يملك ذرة انتماء لأرض فلسطين، وبقاؤه مرهون بنطاق الهوة بين مكتسباته وشعوره بالأمن على حياته، وهو ما تنجح به الإنتفاضة الاستشهادية للشعب الفلسطيني، مما يحتم ضرورة دعمها وحمايتها
بينما أمام شعوبنا بأقطارها متطلب “الوعي” على الحالة الاستعمارية التي هي فيها، كمتطلب أساسي لأولوية التحرر. فالمرحلة لشعوبنا نضالية. والبرامج البنيوية الأساسية للنهوض بالشعوب والدول لا مجال لها في مستعمرات بوليسية، والشعوب الحرة وحدها القادرة على النهوض. ً فالمشروع الأول والأساس لنا كشعب عربي هو التحرر من نير الاستعمار وامتلاك السيادة على القرار وسنأتي لذلك. وإن حرفِنا عن الوعي على الحالة الإستعمارية هي أولوية الأولويات للأنظمة العربية ولمُسيريها. فإشغال شعوبنا بمسائل مختلفة مصطنعة من إفقار وإرهاب وفساد ومحاولات إصلاحات عدمية ووو، كله من هذا القبيل. وهذا ما يجب أن تنتبه اليه المعارضات الوطنية الحقيقية في أقطارنا المعنية وشعوبها.
لذلك، فإن كانت ألية تحرير فلسطين هي المقاومة بإشكالها وعمادها المقاومة المسلحة، فإن ألية تحرر شعوب أقطارنا المعنية مختلفة. فاستعمارها هو بالوكالة المحلية من خلال نظم دكتاتورية قمعية في دول صورية بمؤسسات مصممة لخدمة الأنظمة التي لا تقبل سوى معارضات أو أحزاب مُدجنة، ولا يمكن، بل لا أرضية لتكون ألية عنفية. والمطلوب يصبح في حالتنا هو التفكيك الأمن للنظم مرة واحدة، ببناء قيادات نخبوية تؤطر نفسها في أقطارها على برنامج سياسي استشرافي، تقف خلف التعبئة الشعبية لخروج جماهيري سلمي في انتفاضات أو ثورات شعبية بخطاب سياسي يكفي لإسقاط نهوج التبعية للمستعمرين واستعادة السلطة الشعبية من أنظمة هشة ومعزولة عن شعوبها. ولن يكون هناك من دول الاستعمار بما فيه أمريكا من تواجه شعبا، بل سيضطر للوقوف معه لمحاولة اختراقه عبثاُ في ظل التأطير السياسي المسبق.
كاتب وباحث عربي اردني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى