#التاريخ مُعلم
د. هاشم غرايبه
استذكار انتصارات الأمة ليست بهدف البكاء على الأمجاد الضائعة، بل لأخذ العبر.
لقد كانت الظروف التي سادت زمن #سقوط #بغداد الأول عام 1258 على يد مغول الشرق أقسى من فترة سقوطها الثاني عام 2003 على يد #مغول الغرب، التشابه الوحيد هو في تحالف #الحقد #الطائفي في كلتا الحالين مع الغزاة، فكان التعصب المذهبي مقدما على انتمائهم لأمتهم، في المرة الأولى ممثلا بابن العلقمي، وفي الثانية بالمالكي ورهطه.
حالة الضعف العسكري والفساد والعمالة للصليبيين والشرذمة وتناحر السلاطين وكيد بعضهم لبعض، كانت مثيلة لما نشهده هذه الأيام، من تبعية لصليبيي هذا العصر، بل ربما كانت مستفحلة أكثر، لكن رغم كل ذلك، فلم يصبر المخلصون أكثر من سنتين حتى استعادوا كرامة أمتهم، ودحروا المغول في معركة عين جالوت، ثم استكملوا تحرير الديار من الصليبيين، فطردوهم نهائيا بعد احتلالهم الساحل الشرقي للبحر المتوسط لمدة قرنين.
لماذا إذا ما زالت بلادنا محتلة من قبل الإستعمار الأوروبي منذ مائة سنة؟، هل تعوزنا القوة أو المال؟
لقد كان السلطان قطز يفتقر الى العنصرين معا حينما عزم على التصدي للمغول، فما هو السر ياترى في انتصاره!؟.
يجمع المؤرخون على أن شعار: (وا إسلاماه) الذي صرخ به “قطز” هو الذي أوقد العزيمة وأحيا الهمة، فاجتمعت القلوب المتباعدة، وتآلفت السواعد المتعادية.
لنراجع التاريخ ونستذكر أحداث معركة عين جالوت لكي نستنبط الدروس:
حينما اقتربت جيوش المغول من الشام استسلم ومن غير قتال، أمراء المقاطعات الذين كان بعضهم أشقاء لكنهم أعداء، وتحالف بعضهم مع الصليبيين ضد بعض، لذا فهؤلاء الذين كان بأسهم فيما بينهم شديد، لم يرفعوا سيفا على الغازي، بل استقبلوه ساجدين أمام أقدامه طالبين الرافة، لذلك لا يجب أن ندهش حينما نرى حكام اليوم يقصفون أبناء شعبهم بقسوة، لكن طائراتهم تنزوي تحت الأرض حينما تقبل طائرات العدو الصهيوني والغربي تعربد في سمائهم بكل صلف.
عندما تولى قطز الحكم في مصر، كانت الأوضاع الإقتصادية في الحضيض (أسوأ من اليوم بكل تأكيد)، والحالة المعنوية محطمة بسبب الخلافات بعد موت آخر العائلة الأيوبية، والقلاقل التي صاحبت استلام شجرة الدر الحكم.
كان المغول على الأبواب، فجمع كبار البلاد ومنهم العالم الفقيه “العز بن عبدالسلام”، وطلب فتوى بفرض ضريبة على المواطنين (حيث أن الإسلام لا يجيز فرض الضرائب)، فأجاز العز ذلك شريطة أن يبدأ بالأمراء والأغنياء، فإن لم يكف ذلك فله أن يأخذ زكاة العام القادم من العامة (وهنا الدرس الأول في حل المشاكل الإقتصادية بالإعتماد على الذات وليس على القروض من المستعمر).
والتزم قطز بذلك وبدأ بنفسه، فلم يبق لديه الا حاجات البيت الأساسية، فتبعه الأمراء والأغنياء، وبذلك جمع مالا كثيرا، جهز به الجيش ووفر المؤن للبلاد، وارتفع الحماس بين الناس وكأنهم استعادوا أيام الخلافة الراشدة، (وهنا الدرس الثاني، فالقدوة بالقائد، وبالعدالة تكمن عناصر تأليف القلوب).
كانت هناك فئة من المماليك قوية عالية التدريب تسمى البحرية، متمردة رافضة لسلطة قطز، فأصدر عنهم عفوا عاما، وطلب منهم الإنضمام لجيشه فاستجابوا، ومن هؤلاء كان (بيبرس) الذي يرجع له فضل كبير في النصر لحنكته وشجاعته، (وهذا هو الدرس الثالث لتحقيق الوحدة الوطنية، وليس البطش بالمعارضين واعتبارهم خونة).
بادر قطز الى الهجوم ولم يقعد في مصر منتظرا قدوم الغزاة، فانتقل الى فلسطين واختار ميدان المعركة، (وهنا الدرس الرابع، فلم نحارب غزاتنا في أية مرة، بل قعدنا ننتظر فعلهم فينا)، وعندما وجد أن قوة العدو غالبة، بسبب تفوق مقاتليه تدريبا وتأهيلا وقوة بدنية، رمى بنفسه في أتون المعركة صارخا واإسلاماه، فاشتعلت حماسة جنده لتتفوق العزيمة على القوة.
وأخيرا الدرس الخامس وهو المفصلي، فالغرب صنع لنا ثورة هي لصالحه، وخداعاً سماها عربية، ودعم المد القومي العربي، ليس محبة بالعروبة، بل لكي تكون بديلا عن البوتقة الإسلامية، فقد درس تاريخنا أكثر منا، وعرف أن شعار (واإسلاماه) هو الذي ينصر العرب، سواء كانت قيادتهم قرشية (خالد)، أم أمازيغية (طارق)، أم كردية (صلاح الدين)، أم خوارزمية (قطز)،..فلم ننتصر في أية مرة باستنجادنا القومي، بل بانتمائنا للعقيدة.
فهل فهمنا الآن لماذا يعتبر الغرب من ينادي بهذا الشعار إرهابيا، فيرسل عليه كلابه من العربان والاعاجم تنهشه!؟.