التاريخ معلم

#التاريخ_معلم

د. #هاشم_غرايبه

قد يستغرب كثيرون من هذا الاندفاع الغربي في دعم الكيان اللقيط والخوف من سقوطه، ويعتقدون أن الأمر ناجم عن سوء فهم لطبيعة الصراع.
قد يكون القلق الشديد من قوى الاستعمار الغربي على مصير هذا الكيان الكريه مفهوما، كونه يشكل قلعة متقدمة لهم، مكنتهم أخيرا من شرذمة الأمة وإذلالها، بعد أن عجزوا عن ذلك قرونا عديدة، لكن ما الذي يقلق دولا أوروبية هامشية كالمجر والتشيك والصرب وبولندا لم تكن لها يوما أطماع في الشرق، ولا يشكل الكيان اللقيط لها أهمية استراتيجية أواقتصادية؟.
لفهم هذه المسألة علينا استرجاع التاريخ، لنجد أن هذه الأقطار تكن حقدا دفينا على متبعي منهج الله، منذ أن اشتركت بفعالية في كثير من الحملات الصليبية، وكان مصيرها الفشل.
لعل أكثر حادثة في التاريخ، كانت مصيرية وحاسمة، في وقف الاطماع الغربية في خيرات الشرق العربي كانت معركة موهاكس عام 1526.
من المفيد استذكار هذه المعركة، التي تشكل ذكراها ألما موجعا للغرب، لدرجة أن الإرهابي الذي قتل المصلين في نيوزيلاندا، ذكر هذه المعركة لتبرير قتله المسلمين، ولأنها كانت حاسمة في وقف أطماع الغرب أربع قرون، فقد لقنتهم فيها الدولة العثمانية درسا قاسيا لن ينسوه، لذلك فقد دأبت مناهجنا المدرسية العلمانية على إهمال ذكرها، لأنها كانت أكبر دليل على أن العقيدة الإسلامية هي السلاح الأقوى، وثبت ذلك بالأدلة القاطعة، فلم ينتصر المسلمون على المعتدين يوما بكثرة العدد ولا بالسلاح الأكثر تقدما، بل بالجهاد، وحتى في حياة النبي صلى انلله عليه وسلم، عندما اعتدوا بكثرتهم في حنين انهزموا.
عندما تولى السلطان سليمان القانوني مقاليد الخلافة بعد وفاة والده السلطان سليم الأول، رفض ملك المجر دفع الجزية التي كان يدفعها ظنا منه أنه أمام خليفة شاب ضعيف فى بداية حكمه، وبتحريض من بابا الفاتيكان كليمنت السابع، ولإيقاد نار الحرب، قام بقتل رسول الخليفة، عندها جهز السلطان سليمان جيشا كبير خرج به من إسطنبول في 23 نيسان 1526م، فأعلن البابا حالة النفير العام في أرجاء أوروبا لمحاربة جيش الإسلام، وأصدر قرارا بمنح صكوك الغفران لكل من يشارك بهذه المعركة و تم تكوين أكبر حلف عسكرى يضم: إسبانيا، إيطاليا، ألمانيا، النمسا، هولندا، بلجيكا، سويسرا، لوكسمبورغ، فرنسا، ومملكة المجر (وتشمل المجر وسلوفاكيا ورومانيا الحالية إضافة لشمال صربيا)، ومملكة بوهيميا (جمهورية التشيك حاليا)، ومملكة كرواتيا، ومملكة بولندا، وإمارة بافاريا الألمانية، إضافة الى جيوش الدولة البابوية، فكونوا جيشا من اقوى فرسان أوروبا مدعمين بأسلحة تعتبر فى وقتها متطورة.
أما جيش المسلمين ففى طريقة للمجر، فتحوا عدة قلاع منها حصن بلغراد المنيع، وقطع مسافة ألف كيلومتر، فوصل إلى “وادي موهاكس”، وفي ليلة المعركة سهر السلطان المجاهد الليل يصلي ويدعو الله بالنصر حتى الفجر، حيث أمّ جنوده في الصلاة، وبعدها خاطبهم ودموعه تسيل من عينيه: وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليكم الآن، عندها تأثر الجنود كثيرا، وعانقوا بعضهم البعض مودعين يرجون الشهادة في سبيل الله.
كان التحدي الأكبر الذي واجه السلطان هو كثرة عدد الفرسان الأوروبيين المدرعين بالحديد الثقيل، فوضع خطة عبقرية، حيث جعل جيشه في ثلاثة صفوف، في المقدمة قوات النخبة (الانكشارية)، وفي الثاني الفرسان الخفيفة والمشاة، وفي الخلف المدفعية، والخطة أن يصمد الصف الأول لمدة ساعة، ثم ينسحبون الى الخلف، ليعتقد العدو أنهم يتراجعون، ثم تنسحب قوات الصف الثاني الى الجانبين ليفتحوا القلب، وعند ذلك اعتقد الجيش الصليبي أنهم انهزموا فاندفع الفرسان المدرعون الى قلب جيش المسلمين، وعندها صب عليهم 300 مدفع حممها دفعة واحدة، لتصبح الساحة جهنما أذاب الحديد وشوى الخيل، فأبيدت القوة المهاجمة جميعها، وخلال ساعة ونصف فقط دبت الفوضى وانهزمت الجيوش الجرارة، ليقعوا بين أسير أو قتيل.
المفاجئ أن عدد شهداء المسلمين بلغ 150 شهيدا فقط، مقابل عشرات الآلاف من قتلى عدوهم، ليست هذه حالة فريدة، ففي كل المعارك الجهادية، كانت النسبة كذلك، مما يدل على أن هنالك جنودا لم يرها المجاهدون تقاتل الى جانبهم: “سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ” [الأنفال:12].
لقد ثبت طوال تاريخ المسلمين أنهم إن صدقوا مع الله فهو ينصرهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى