التاريخ معلم

التاريخ معلم
د. هاشم غرايبه

أقر الكونجرس الأمريكي رفع الحظر على تزويد قبرص بالأسلحة، الذي فرض دوليا منذ عام 1987 بهدف منح القبارصة المسلمين والمسيحيين الفرصة لحل خلافاتهم سلميا.
لمعرفة خلفيات الموضوع القبرصي وأسباب الخلاف الذي أدى بالجزيرة الى التقسيم، يحسن بنا أن نعود الى التاريخ الحقيقي لهذه المشكلة، خاصة وأن معلومات الكثيرين بنيت على ما يبثه الإعلام الغربي المنافق.
جغرافياً تعتبر جزيرة قبرص جزءا من بلاد الشام، وتبدو بشكلها المميز وكأنها اقتطعت من خليج الإسكندرون، حيث تبعد عن “كليكيه” 65 كم، فيما تبعد عن اليونان 800 كم، لذلك وبعد فتح بلاد الشام، استأذن واليها معاوية أمير المؤمنين عمر بفتحها، وأرسل له قائلا: “إن بعض قرى حمص على البحر يسمعون صياح ديكتها ونباح كلابها”، فلم يأذن إشفاقا على المسلمين الذين ليس لهم أية خبرة بركوب البحر، ثم استأذن عثمان فأذن له وفتحها عام 28 للهجرة وصالح أهلها على أن لا يعينوا البيزنطيين على المسلمين، لكنهم نكثوا عهدهم فأعاد الحملة عليهم بعد ست سنوات، وأبقى فيها هذه المرة حامية بنت الحصون والمساجد، فبدأ الإسلام الإنتشار بين سكانها.
لم يكن لأهلها حيلة بمقارعة الدول القوية فظلت السيطرة عليها متقلبة بين المسلمين والأوروبيين، لكنها ظلت محطة للقراصنة وإقطاعيي جنوه الكاثوليك الذين اضطهدوا الأرثوذوكس، حتى حتى استعادها العثمانيون عام 1571، فانتعشت أحوال السكان بفعل التخلص من الإقطاع، كما أعادت فتح الكنيسة الأرثوذكسية، لكن هؤلاء بعد أن استعادوا حرية العبادة جعلوا ولاءهم لليونان (العدو التقليدي لتركيا)، كما جاء مستوطنون من اليونان لدعمهم، ففي عام 1777 كانت نسبة المسلمين من السكان 56 %، لكن بعد مائة عام أصبحت 35 %.
في عام 1878 فرضت بريطانيا على الدولة العثمانية التخلي عن قبرص، وشكلت مجلسا محليا ثلثه من المسلمين وثلثاه مسيحيين، وكرست الكنيسة الأرثوذوكسية كمؤسسة سياسية.
وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى أعلنت بريطانيا ضم قبرص إليها، وعرضتها على اليونان مقابل دخولها الحرب الى جانبها والتي رفضت، لكنها ظلت طوال احتلالها لها تحاول جعلها يونانية، انسجاما مع خطتها تقطيع أوصال الدولة الإسلامية.
في عام 1955 قامت ثورتان على الإنجليز المسيحيون بقيادة “الأسقف مكاريوس”، والمسلمون بقيادة “رؤوف دنكطاش”، وفي عام 1960 حصلوا على الإستقلال واتفقوا أن يكون “مكاريوس” الرئيس ونائبه “دنكطاش”، لكن لم تمر ثلاث سنوات حتى حاول مكاريوس تعديل الدستور لتقليل مكاسب المسلمين، فاندلع اضطرابات الى أن اضطر الى العودة عن أفكاره، وبقي الوضع مضطربا الى تم تدبير انقلاب عام 1974 أعلن فيه عن ضم قبرص الى اليونان.
عندها تدخلت قوات تركية لحماية مسلمي الجزيرة من نوايا الإنقلابيين في التطهير الطائفي، ونجحت بسرعة في دحر القوات اليونانية والسيطرة على الجزء الشمالي بما نسبته 40 % من الجزيرة، مما دعا الأوروبيين الى التدخل لوقف القوات التركية التي كانت دخلت العاصمة، بإرسال قوات دولية، فأصبحت الجزيرة فعليا مقسمة، وتجمع كل المسلمين في المنطقة الشمالية، وانتقل المسيحيون الى الجنوبية.
فرض الغرب من خلال الأمم المتحدة عدم الإعتراف بالجمهورية الشمالية، وانصاعت كل الدول لذلك بما فيها الدول العربية التي جبنت أن تنتصر للمسلمين من القبارصة، بل على العكس عززت علاقاتها مع اليونان التي تدعي أن قبرص جزءا منها رغم بعدها الشاسع عن شواطئها.
كل ما سبق تاريخ مضى، لكن هل انتهى؟.
الى اليوم لم تختلف النوايا ولم تتغير التحالفات.
فقرار الكونجرس الأمريكي جاء ردا على الإتفاقية التي تمت بين تركيا وليبيا، والتي كانت ضرورية للخروج من الحصار الذي تمكن الكيان اللقيط من فرضه عليها بأن عقد تحالفأ مع نظام السيسي واليونان وقبرص لكي يستأثر بحقول الغاز في المتوسط.
لقد فهمت تركيا ما يحاك لها على يد العربان الصهاينة من دعم “حفتر” للإستيلاء على السلطة في ليبيا، ليدخلها في الحلف الصهيوني، وبذلك يخنق تركيا في البحر المتوسط، فيستفرد الكيان اللقيط بكل الغاز ولا ينافسه في ذلك منافس.
لذلك سارعت الى عقد تحالف مع الحكومة الليبية لدعمها في وجه الحلف الشيطاني، ولذلك كان كان قرار الكونجرس ردا فورياً من راعية ذلك الحلف، بإمداد القبارصة اليونانيين عسكرياً لفتح جبهة جديدة على تركيا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى