التاريخ الديني – 7 / د . هاشم غرايبة

التاريخ الديني – 7

بعد أن نزلت الرسالة الإسلامية في الجزيرة العربية، كانت المقاومة لانتشارها شديدة، كان ذلك لتظافر جهود القيادات القبلية القرشية (الطبقة البرجوازية) القلقة على امتيازاتها الموروثة، مع اليهود الناقمين من نزول هذه الرسالة على نبي من غير بني إسرائيل، كونهم يعلمون أنها النهائية وأن كتابها السماوي سيكون المهيمن على كل الكتب السابقة.
كانت الذروة في ذلك التحالف العريض، شن غزوة الأحزاب بعد ثمانية عشر عاما من ظهور الدعوة، بهدف القضاء عليها نهائيا، ولما كان اليهود يشكلون جزءا هاما من مجتمع المدينة المسلم، وكان بين المجتمعين معاهدة تحالف ضد المشركين كونهما موحّديْن، لذلك شكل انضمام اليهود لمعسكر الغزاة، وفي ذلك الوقت العصيب، طعنة في الظهر للدعوة الوليدة.
فشل تلك الحملة لم يكن لأسباب عسكرية، فقد كان تفوق الغزاة قاصما، بل بفعل تدخل إلهي مباشر لنصرة من كلفهم بحمل الدعوة، بعد إذ باتت إبادتهم وشيكة.
كان من المنطقي وإثر خيانة اليهود أن تكون الخطوة التالية إخراجهم من بين المجتمع المسلم المتجانس، فلم يبق هنالك من أمل في انضمامهم إليه أو معايشته على الأقل، وكانت النتيجة فور ذلك أن انهارت مقاومة معادي الدعوة، وبدأ الناس يدخلون في الدين أفواجا.
استغرقت مرحلة انتشار الإسلام في العالم القديم بأسره زمنا أقل من ذلك الذي قضاه في الجزيرة العربية، مما أدهش المؤرخين الغربيين فحاولوا تشويه هذه الميزة، بالقول أن المسيحية انتشرت بالإقناع ولم تحتج الى حروب، فيما الإسلام انتشر بحد السيف، لكن الموضوعيين يذكرون أن الفتوحات الإسلامية كانت دعاة يحميهم فرسان، ولم تكن عسكرية احتلالية، بدليل أنه لم يهاجم المسلمون بلدا إلا بعد أن يفاوضوا أهلها على دخول الإسلام فيكون لهم امتيازات مساوية، أو يبقوا على عقيدتهم ويبقوا جزءاً من مواطني الدولة، وبالطبع يدفعون ضريبة للدولة(الجزية)، لأنه ليس معقولا أن يُعفوا من الإلتزامات تجاه الدولة فيما يتكلفها من كان مسلما فقط، وليس منطقيا أيضا أن يطلب منهم التطوع للقتال دفاعا عن عقيدة لا يقتنعون بها، وهكذا اذا استنفذ الخياران السلميان فلا يبقى من خيار غير القتال، لأنهم مكلفون شرعيا بإبلاغ هذه الدعوة إلى كل البشر، وحذرهم الله أن لا يكتمونها عن الناس كما فعل بنو إسرائيل.
لكن الوقائع أثبتت ندرة حالات المجابهة العسكرية، والتي كان أبرزها مجابهتين فاصلتين مع الإمبراطوريتين العظميين آنذاك: الفارسية والرومانية(القادسية واليرموك): لأنه لم يكن متوقعا أن يتّبعا نظاما جديدا جاء به العرب الذين طالما كانوا لهم تبعا.
وكما حصل مع الرسالتين السابقة، فقد تمكن أصحاب المصالح الذاتية (البرجوازيون) من استغلال الدعوة لتنمية نفوذهم الإجتماعي والإقتصادي عن طريق تسييس العمل الديني، لكنهم لم يتمكنوا من تحوير الشعائر والشرائع مثلما حصل مع الرسالتين المسيحية واليهودية، واللتين تم فرز طبقة جديدة تحت مسمى رجال الدين.
يعود ذلك الى تعهد الله عز وجل بحفظ القرآن من أي عبث، كونه حاويا للدين النهائي لكل البشر، فبقي مصدرا آمنا لا يمكن تعديله، لذا فقد اكتفى السياسيون بالسعي للسيطرة على علماء الدين ترغيبا وترهيبا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى