التاريخ الديني -5 / د . هاشم غرايبة

التاريخ الديني -5

مع طول الأمد ازداد ابتعاد بني إسرائيل واليهود عن التوراة، وقست قلوبهم بعد أن استقروا في فلسطين وصارت لهم فيها دولة، واحتكرت طبقة الأحبار منهم التوراة، ولم يعلموها للعامة بل جعلوها قراطيس بشكل منشورات يبدون منها ما يريدون، وكان سبب إخفائها أمرين: بقاء هذه الطبقة متمتعة بامتيازات تكفل تميزها اقتصاديا واجتماعيا، والثاني أن بها بشارة بظهور آخر انبياء بني إسرائيل( المسيح) في فلسطين والذي عليهم اتباعه، وبالطبع ذلك سيلغي امتيازاتهم، كما أنها تبشر بظهور آخر الأنبياء في جزيرة العرب والذي برسالته يكتمل الدين.
لم تكن لديهم فكرة عن تاريخ هذين الحدثين، فأخفوهما لكي يتسنى لهم التأهب لمجابهة كل واحد حين حصوله.
لذلك تمكن كهنة المعبد في القدس من تشكيل لوبي قوي مهيمن على الحاكم الروماني وحرضوه على مقاومة دعوة المسيح ومطاردته، كما رحل قوم منهم الى الجزيرة العربية واستوطنوا في اليمن ويثرب، فيما لم يرحب بهم في مكة، على أمل أن يكون النبي الخاتم منهم، وإن لم يكن كذلك، فمحاربته والتأليب عليه كما فعلوا مع السيد المسيح.
قصة نشأة المسيح ومعجزاته معروفة، وكذلك دعوته التي ظلت سرية بسبب تحريض كهنة المعبد لبيلاطس الحاكم الروماني على قتله،”فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ” وهكذا سمي الذين آمنوا به وهم تلاميذه الحواريون ومن تبعهم فيما بعد بالنصارى.
لم يعرف بالضبط متى تغيرت التسمية الى المسيحيين، لكن يعتقد أنها كانت بعد انتشار الدعوة في أوروبا ، حيث أنهم يميلون الى ربط االفكرة بالشخص الذي جاء بها وهو منهج الحضارتين الإغريقية والرومانية، ولذلك فهم يسمون المسلمين “محمديين”.
انتشرت الدعوة بينهم بسرعة بسبب افتقار الأوروبيين للروحانية التي كانت سائدة في الشرق منذ قرون، رغم أن دعوة السيد المسيح كانت موجهة الى بني إسرائيل “وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ “{آل عمران:49 }ليعيدهم الى جادة الإيمان وليحل بعض الذي حرمه عليهم، كما جاء في انجيل يوحنا17: 1 – 11 “بَلَّغتُهُمُ الكلامَ الّذي بَلَّغتَني فقَبِلوهُ وعَرَفوا حقَّ المعرِفَةِ أنِّي جِئتُ مِنْ عِندِكَ وآمنوا أنَّكَ أنتَ أرسَلتَني. أنا أُصلِّي لأجلِهِم، ولا أُصلِّي لأجلِ العالَمِ، بل لأجلِ مَنْ وهَبتَهُم لي لأنَّهُم لكَ.”.
لكن إدخال الرومان المسيحية لأوروبا لم يكن خيرا لها، بل حرفها عن هدفها وأفرغها من مضمونها وهو إصلاح النفس البشرية ونشر المحبة والسلام، لذلك قال المؤرخون: “إن روما لم تتنصّر بل إن الكنيسة تروّمت”، وكانت البداية بإلغاء أساس العقيدة وهو التوحيد وإدخال عقيدة التثليث عنوة من قبل الإمبراطور قسطنطين في مجمع نيقيه عام 325، والتي قاومها القساوسة الشرقيون بلا جدوى، وكان التحوير الثاني بابتداع البروتستانتية تمردا على تسلط الكنيسة الكاثوليكية، على يد الراهب الألماني “مارتن لوثر” عام 1520 حينما اعتبر عدم ضرورة العمل الصالح بل يكفي إيمان المرء بالمسيح لتكفير كل خطاياه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى