التأمين الصحي الشامل…حلم ام كابوس؟

التأمين الصحي الشامل…حلم ام كابوس؟
جمال الدويري

بعد تجاربنا العملية السلبية وخيبات الأمل الكثيرة مع وعود حكومية كثيرة وكلام جميل لم يتعد الكلام, طالعتنا الحكومة بحزمها التنفيذية المتسلسلة حتى الخامسة, والتي عشّمتنا بالكثير, ولم نر على الأرض حتى الان الا أقل القليل, وقد أبهجتنا الحزمة الرابعة منها بقرارات حكومية لحلم حصول المواطنيين الأردنيين على التأمين الصحي الشامل, وحق التداوي ايا كانت شريحته الاجتماعية, وأينما استدعت حالته وحاجته الصحية, لا بل وصل الوعد الحكومي الى شمول كل من يعيش على أرض الدولة الأردنية بهذا الحق الإنساني الملح, وتعدى الى الزامية التأمين الصحي حتى عام 2025
(كلام جميل ما اقدرش اقول حاجه عنه), لكن…
وبعد ان قررت الحكومة, وأعلن وزير الصحة, وشرحت مديرة مديرية التأمينات الصحية بالوزارة, وأشعلوا للجميع شمعة امل مبشرة, وخاصة لمن يعجزهم احيانا توفير حبة الأسبرين وأدنى الضروري للجم الألم وخفض حرارة الصغار ومعالجتهم, فإن هناك ثمة تساؤلات متعددة تثيرها حيثيات مواكبة كثيرة, ليس اخرها ولا حصريتها: شمولية الخدمة, سرعة البدء بتنفيذ هذا البرنامج الطموح, النوعية المطروحة للخدمة, الصبغة التكافلية للمشروع وخلافه, الى امكانية العلاج في خارج الوطن بحال عدم توفر الخدمة في الداخل, وبلا سقف رقمي محتمل.
لن يفوتني قبل الاستمرار, ومثلما نشير الى مواطن الخلل والتقصير وننتقد السلبيات بالأداء العام, فإنني, ان اشكر من يستحق الشكر, ومن امر وخطط ويعمل على التنفيذ, لتقديم الخدمة الصحية الشاملة لكل الأردنيين, التي طالما حلموا بها وطالبوا بتوفيرها.
ودون ان (اضع بالرز بصلا), وقد جرعت الأمل حتى الثمالة, ان نصحو من حلم وردي جميل الى تحقيقٍ للمأمول المنتظر, وليس على كابوس غير محمود, طالما واكب الكثير من الوعود الرسمية والمشاريع العامة, لا بد ان اعود الى المنطق والواقعية التي ارجو ان يكون صاحب المشروع قد فكر بها بالتخطيط والتنفيذ, وأسأل بتجرد عن التمويل الملياري لهذا المشروع, حجمه ومصادره وقدرته على محاكاة التنفيذ والواقع, ورغم ان جزءا من ميزانية صندوق التأمين الذي تأسس لهذا الغرض, سيموله المواطنون انفسهم بتفاوت الشرائح والنسب وطبيعة الخدمة المقدمة, فإن ثمة مبالغ كبيرة لتغطية تكاليف هذا التأمين, ستبقى تبحث عن ممول او تغطية. وبنفس النفس ولذات الغاية, وبعد تجربتنا مع صندوق الضمان, فلا بد من السؤال عما اذا كان هناك الية موضوعية تضمن عدم المساس بصندوق التأمين الصحي هذا, وخروجه عن غاياته ومبررات تأسيسه.
سفر معالي المريض الأردني العادي, الذي يعيش من صندوق التنمية الاجتماعية مثلا, الى الخارج للعلاج ان اقتضت الضرورة الطبية, ولو تكلف علاجه ما لعائلة او عشيرة كاملة به, مثله مثل اصحاب الدولة والعطوفة والسعادة والألقاب الأخرى, حلم جميل لم نستطع حتى حلمه حتى الآن, وبكل صراحة, ما زال خيالنا بتخدير وغياب تامين لتصوره والاطمئنان الى الإيفاء بالوعد به, ولذا فإنني اعود للسؤال, عما اذا كانت الحكومة بظل هذا الاحتقان الشعبي الحاد والتذمر المبرر من ميلة الحال العامة, تأخذنا على قدر عقولنا, وتعد بما لا يمكن او يُراد تنفيذه, كسبا للوقت وبعض الفسحة من الاحتجاج, متكئين على صبر الأردنيين وخوفهم على وطنهم ومستقبل اولادهم, ام اننا سنستعيد مليارات الفساد, ام اننا قد اكتشفنا لدينا مخزون قطر من الغاز والسعودية من النفط, او اننا قد وقعنا على تركة عملاقة للملك ميشع, ستكفينا شر السؤال وتمول تكاليف التأمين الصحي الشامل, حتى للوافدين وغير الاردنيين على هذه الارض.
اللهم حقق احلامنا وأبعدنا عن كوابيس وخرابيط الليل البهيم, وجنبا المزيد من خيبات الأمل الحكومية وشرور خططهم الخمسية والعشرية والألفية التي جذرت فاقتنا ووسعت نطاق حاجتنا.
جمال الدويري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى