البورد الطبي الأردني بين الماضي والحاضر. . !

#البورد_الطبي_الأردني بين الماضي والحاضر. . !

#موسى_العدوان

بداية أسجل اعترافي بأنني لست مختصا بالنواحي الطبية، ولست معنيا بها بصورة مباشرة، إلاّ بمقدار ما يهم بلدي. فعندما يتعلق الأمر بالأردن وسمعته العالمية في أي مجال من مجالات الحياة، يصبح عندها من واجبي وواجب كل مواطن أن يبدي رأيه أو ملاحظاته – على الأقل – بما يجري في وطنه. ومن هذا المنطلق أجدني معنيا بما تداولته وسائل الإعلام مؤخرا، حول شهادة البورد الطبي الأردني، وتأثيراته السلبية على كفاءة #الأطباء وسمعة #الأردن الطبية، دون الدخول في فنياته.

فقد نشرت وسائل الإعلام المحلية في بداية هذا الأسبوع، بأن دولتي قطر والسعودية الشقيقتين، قد سحبتا اعترافهما بشهادة البورد الأردني، مما شكل صدمة لنا كمواطنين نهتم بسمعة بلدنا، وكأطباء متأثرين في مهنتهم الطبية بهذا القرار، في كلا القطاعين العام والخاص. فشهادة البورد الأردني الصادرة عن #المجلس_الطبي، تعتبر أعلى شهادة مهنية للاختصاص في الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة.

مقالات ذات صلة

وعند العودة بالذاكرة لمستوى الخدمات الطبية في الأردن خلال النصف الثاني من القرن الماضي، نجد أن سمعتنا الطبية وكفاءة أطبائنا، كانتا تحتلان مكانا مرموقا في العالم، إذ كان أطباؤنا سباقون بين دول المنطقة بإجراء عمليات القلب المفتوح وزراعة الكلى، وغيرها من العمليات الجراحية. بينما كانت بقية الدول العربية ومن بينها الدول الغنية، متخلفة في هذا المجال. ولكي نقف على ما جرى للبورد الطبي الأردني الذي يشهد بكفاءة أطبائنا، دعونا نقرأ ما نشرته وسائل الإعلام هذه الأيام.

فنقيب الأطباء الأردنيين الدكتور زياد الزعبي، قال مساء الاحد الماضي، أن دولة قطر سحبت الاعتراف بالبورد الطبي الأردني، وصنفته الى المستوى الثالث، وهو الأقل في التصنيفات المعتمدة بدول الخليج. وأكد الزعبي، بأن دولة قطر فرضت على الاطباء الحاصلين على البورد الأردني في حال التعاقد معهم، أن يخضعوا لامتحان البورد القطري أو شرط حصولهم على البورد العربي للاعتراف بتخصصهم. واضاف ان السعودية أيضا خفّضت تصنيف البورد الاردني، حيث صنفت الطبيب الحاصل على البورد الأردني وخريج منذ ثلاث سنوات بأنه (مقيم مؤهل)، إلا إذا حصل على البورد العربي فيتمّ تصنيفه بدرجة ( استشاري ) . . .

* * *

لقد جرى تعديل شروط امتحان البورد الأردني، التي كانت مثار جدل في نهاية العام الماضي، بين المعارضين والموافقين من أطباء القطاعين العام والخاص، ومن بين المعارضين وزير الصحة الأسبق الدكتور غازي الزبن، الذي حذّر من إجراء تلك التعديلات على البورد قائلا : ” أن إلغاء البورد الأردني ( عن بعض الأطباء القادمين من الخارج ) سيجعل سمعتنا بالحضيض، وأن التعديلات في حال إقرارها ستقضي على القانون بالكامل “. كما عارضه نقيب الأطباء السابق الدكتور أحمد العرموطي، وعدد آخر من الأطباء.

أما نقيب الأطباء زياد الزعبي فقد طالب بسحب التعديلات عليه في حينه حيث قال : ” إن التعديلات التي اقترحها وزير الصحة في القانون، ستفتح الباب أمام عمل الأطباء غير الأكفاء. الأطباء الأردنيون من أكفأ الأطباء في المنطقة العربية، ولديهم من العلم والخبرات ما يفيض عن الحاجة، والقطاع الطبي المحلي ليس بحاجة إلى خبرات أجنبية. إذا ما مررت الفقرة 17 كما هي، فإنها ستفتح الباب لآلاف من الاختصاصيين في فروع الطب، القادمين من بلدان مستواها الطبي أقل من المستوى الأردني، خاصة أن عدد طلاب الطب الأردنيين حالياً 38 ألف طالب في الداخل والخارج، وهذا يفوق عدد الممارسين حالياً، ما يخلق فوضى كبيرة، وبطالة بين الأطباء “. ومع هذا فقد أقره مجلس النواب في نهاية العام الماضي.

* * *

وبمناسبة الحديث عن البورد الأردني أود أن أذكر القصة التالية : في أوائل الثمانينات كنت ملحقا دفاعيا للأردن في بريطانيا، وكان لدينا 65 طبيبا عسكريا من الخدمات الطبية الملكية، يشاركون في دورات تخصصية فرعية في بريطانيا. وكان من واجب الملحق الدفاعي متابعة شؤونهم الدراسية والإدارية.

حدثني أحد هؤلاء الأطباء بأن طبيبا أردنيا مغتربا في بريطانيا، يرغب العودة للأردن، ولكنه يواجه عقبة الخضوع لامتحان البورد الأردني. فشعرت أن واجبي يدعوني لمساعدة هذا الطبيب باعتباره مكسبا للأردن. فقابلته في مكتبي وسألته عن سيرته الذاتية وسبب رغبته بالعودة إلى الأردن ؟

أعلمني بأنه درس الثانوية في الأردن ودرس الطب بجامعة عين شمس في مصر. وبعد أن تخصص في عمليات القلب ومارس مهنة الطب، فتح عيادة لأمراض القلب في شارع الأطباء بلندن ( هارلي ستريت )، وأنه موفق في عمله ويدرّ عليه أرباحا كبيرة، ولكنه يرغب بالعودة إلى الأردن ليفتح مستشفى خاص للقلب، وأن بناته تجاوزن سن العاشرة، ويودّ أن يعشن في مجتمع عربي محافظ، بدلا من مجتمع غربي منفتح. ولكن جلوسه للاختبار أمام لجنة امتحان البورد الأردني وأعضاؤها أقل خبرة ومعرفة منه، بعد أن مارس الطب في بريطانيا لأكثر من عشرين عاما، يُعتبر استخفافا بخبرته ومؤهلاته الطبية، وأن طلبه يقتصر على استثنائه من امتحان البورد الأردني. فوعدته ببحث الموضوع مع المعنيين.

بعد بضعة أيام، حضر إلى لندن قادما من الولايات المتحدة الأمريكية، القائد العام للقوات المسلحة الأردنية، الشريف زيد بن شاكر عليه رحمة الله. وكان برفقته مدير الخدمات الطبية آنذاك الدكتور داود حنانيا. فشرحت له قصة الطبيب الذي لا أذكر اسمه حاليا، وبينت أن طلبه ينحصر في إمكانية استثنائه من امتحان البورد من قبل وزارة الصحة، نظرا لخبرته ومؤهلاته، وأنه ينوي فتح مستشفى للقلب في القطاع الخاص بالأردن.

سأل الشريف زيد الدكتور داود، باعتباره مطلعا ومشاركا في وضع قانون المجلس الطبي الأردني، إن كان استثناؤه من اختبار البورد ممكنا من قبل وزارة الصحة ؟ فأجاب الدكتور أن استثناء أي طبيب من امتحان البورد غير ممكن مهما كانت خبرته أو درجته العلمية، لأن في ذلك خرق لقانون المجاس الطبي، وسيفتح المجال لاستثناءات أخرى، تهزّ مكانة البورد الأردني في الداخل والخارج، وإضاف قائلا : لدينا اكتفاء من أطباء القلب والمستشفيات التي تستوعب هؤلاء. أبلغت الطبيب ( الذي لا أذكر اسمه حاليا ) شديد أسفي لعدم تلبية طلبه، وعلمت بعد فترة فصيرة أنه ذهب إلى السعودية.

وهكذا حافظ المسؤولون السابقون على أهمية ومكانة البورد الطبي الأردني، والذي أنتج أطباء أردنيين بكفاءات مهنية عالية في القطاعين العام والخاص، وجعل الطب في الأردن يكتسب سمعة مرموقة، شكلت قبلة للسياحة العلاجية والباحثين عن العلاج من الدول العربية في ذلك الحين.

وختاما أتساءل : لماذا تراجعنا هذه الأيام في تصنيفنا الطبي وأصبحنا دون مستوى دول الخليج، بعد أن كنا في مقدمة دول الشرق الأوسط قبل عقود؟ وهل أعفاء بعض الأطباء القادمين من الخارج، من اختبار البورد الأردني، سيؤدي إلى مزيد من التراجع في مستوى الأطباء الأردنيين، أم سيؤدي إلى رفع مستوى الطرفين، وبما ينعكس بالضرورة في كلا الحالتين على مستوى الخدمة الطبية، لا سيما ونحن نحصد اليوم نتائج تلك السياسات الطبية غير الموفقة ؟ وهل يمكن أن نعيد الاعتبار للبورد الأردني ونحافظ على تميز أطباءنا ومستوانا الطبي الذي كنا نفخر به بين دول المنطقة ؟

التاريخ : 10 / 2 / 2023

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى