الباص السريع في الأردن: سريع أم صريع

#الباص_السريع في #الأردن: #سريع أم #صريع

د. أيوب أبودية

عندما أُعلن لأول مرة عن مشروع الباص السريع  في عمّان، كنت من أوائل المعارضين لأنني كنت أرى أن تخصيص مسارات خاصة له في شوارع المدينة الضيقة والمزدحمة أصلًا سوف يعاظم من الضيق والازدحام، ويزيد من التقاطعات والاشارات المرورية على حركة السير، وكنت أتمنى أن يُنفَّذ المشروع بطريقة مختلفة، كأن يكون قطارًا معلقًا فوق الشوارع على سكك حديدية، كما هو الحال في بانكوك أو شيكاغو، أو على جانبي الطريق، كما في موسكو. فكنت أعتقد أن الحل الأمثل هو التوسع عموديًا بدلًا من التضحية بمساحة من الطرق التي يستخدمها الجميع.

لكن مع مرور الوقت، وبعد أن بدأ المشروع بالعمل فعليًا، وأصبحت له امتدادات، وصار أمرا واقعا، وامتدت له طرق فرعية ورحلات الى الزرقاء ومادبا، تغيّر موقفي تدريجيًا. واليوم أصبحت أستخدم الباص السريع بشكل شبه يومي، خاصة بعد حصولي على بطاقة مجانية بعد سن 65 سنة، لما يوفره من راحة وتنظيم ويختصر الوقت في أغلب الأحيان. فقد ساهم في تخفيف العبء عن كثير من المواطنين الذين يبحثون عن وسيلة نقل عامة آمنة وسريعة ومنتظمة، رغم أنني ما زلت لا أتقبل فكرة كيف أن موظفا بالحد الأدنى من الراتب الشهري (260 دينارا) يستخدم الباص مرتين ليصل إلى مكان عمله سوف ينفق نحو 2.2 دينارا يوميا، أي 60 دينارا شهريا على المواصلات ( أي 23% من راتبه). لذا أقترح أن تكون هناك بطاقات شهرية للذين يتنقلون باستمرار، قيمتها 40 دينارا، مثلا.

مقالات ذات صلة

ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن هناك بعض التحديات التي ما زالت قائمة. على سبيل المثال، استغرقت رحلتي الأخيرة من صويلح إلى الدوار الخامس على متن باص رقم 99  يوم الخميس الساعة الخامسة مساءً حوالي أربعين دقيقة، وهي مدة طويلة نسبيًا بالنظر إلى أن الباص يُفترض أن يكون وسيلة نقل سريعة. السبب في ذلك يعود إلى كثرة التقاطعات والإشارات الضوئية، إضافة إلى تأثر الباص السريع بحركة السير التي تتداخل معه، خصوصًا في أوقات الذروة. وما زال هناك من المواطنين من يعبر مسرب الباص ويعوق سرعته.

كما أن هناك عوائق أخرى في بعض المناطق التي يتداخل فيها مسار الباص مع حركة المركبات الخاصة، أو حين يقوم بعض السائقين — عن قصد أو جهل — بإغلاق مساره مؤقتًا. لذلك أقترح أن يتم دهان تلك المواقع بخطوط صفراء واضحة ومتشابهة، كما هي حال دول العالم، لتشير بوضوح إلى ضرورة عدم دخول هذه المنطقة في حال كان السير متوقفًا. طبعا مع تدخل رجال السير في البداية وضبط الحركة والتشدد بالمخالفات. فمثل هذا الإجراء البسيط يمكن أن يحدّ من كثير من المخالفات ويسهّل حركة الباص، فيستفيد الجميع.

كما أن فترة الذروة تحتاج إلى عدد أكبر من الباصات لتلبية احتياجات الركاب. فخلال ساعات الذروة، تزداد أعداد المسافرين بشكل ملحوظ، مما يؤدي إلى ازدحام كبير في وسائل النقل العامة. لذا، فإن زيادة عدد الباصات في هذه الأوقات يمكن أن يسهم في تقليل الازدحام، وتقليل فترات الانتظار، وتحسين تجربة الركاب بشكل عام. فمن خلال تعزيز أسطول الباصات خلال هذه الفترات، يمكننا توفير وسيلة نقل أكثر فعالية وكفاءة للجميع، مما يعزز من استخدام وسائل النقل العامة ويقلل من الاعتماد على المركبات الخاصة.

لقد انتظرت باص رقم 55 في فترة ذروة عند الموقف إلى الجنوب من دوار البنك العربي في الشميساني، لمدة 50 دقيقة، ولكن للأسف لم يحضر. كانت هذه الفترة من الانتظار محبطة للغاية، حيث كنت أشاهد الركاب الآخرين يتجمعون ويغادرون بينما أظل في مكاني، آملًا في وصول الباص. مثل هذه التجارب، وربما تكون نادرة، تعكس الحاجة الملحة لتحسين خدمات النقل العام، حيث أن تأخير وسائل النقل يمكن أن يؤثر سلبًا على حياة الناس اليومية، ويجعلهم يشعرون بالإحباط والقلق وعدم الثقة. إن توفير جداول زمنية دقيقة وزيادة عدد الباصات خلال ساعات الذروة تحديدا يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين هذه الوضعية.

وهناك ضرورة للصيانة المستمرة لمركبات باص عمان، كالتبريد وكبسات الوقوف التي بعضها لم يعد يعمل مؤخرا، فعندنا إلى الصياح ليقف السائق. والأهم هو تحويل الباصات لتعمل على الكهرباء لتخفيف الضجيج في المدينة وخفض تلوث الهواء.

في النهاية، يمكن القول إن الباص السريع مشروع ناجح ومهم، لكنه ما زال بحاجة إلى بعض التحسينات التنظيمية والفنية ليؤدي دوره بأفضل صورة. ورغم أنني كنت من المعارضين له في البداية، إلا أنني اليوم أراه خطوة مهمة نحو تطوير منظومة النقل العام في عمّان، وربما يكون نواةً لتجارب نقل حديثة أكثر تطورًا وهدوءا في المستقبل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى