الاندماج في شيكاغو / خالد عياصرة

الاندماج في شيكاغو
السفر جزء من ثقافة الانسان، اذ يعطيك تلخصيا لصفات الشعوب وطرائق حياتها، كما يمنحك معرفة جديدة بطبيعة ابناء بلدك في الغربة، يكشفهم، يعريهم، لكنه يجود عليك ببعضهم، فيصيرون بمثابة هدية من السماء لا تقدر بثمن.

هؤلاء عملة نادرة جدا، من الصعوبة بمكان ايجادها.

السفر والعيش المشترك مع بعض الفئات ( خصوصا في اميركا ) لا يعلمك اخلاقا جديدة، بل يسقط اغلب ما يحمله القادمين الجدد لهذه البلاد باعتباره الوسيلة الافضل للاندماج بالثقافة، تلكم كذبة كبري، تم الترويج لها.

فالعربي – المسلم، يخلع ثوب الكرام – الاغلب – لكنه يرتدي ثوب المادية الراسمالية المشوهة، والتي تحيل الانسان الى مجرد حيوان ناطق يلهث وراء الدولار، دون ان يستفيد من تجربته وان بمعناها البسيط.

مقالات ذات صلة

في الحقيقة ذات يوم حاولت ان اصير مثلهم، لكنني فشلت، او حتي اكون صادقا، رفضت، فالاندماج لا يتم بهذه الصورة، بقدر ما يكون بالاشتباك مع المحيط الجديد، ومواكبة يومياته.

من السلبيات التي كنت اضحك عليها بصمت، هو احاديث الشباب العربي اذ يقولون: نحن لا نختلط بالمحيط العربي ولا نصاحب عربا، لكونهم يشتتون اهدافك، – غالبية – هؤلاء يستمتعون في خداع الاخرين كما يعتقدون، لكنهم يخدعون انفسهم قبل ذلك.

كل فرد يتحدث عن عدم مخالطة العرب في اميركا، تجده الاكثر جلوسا اليهم، واندماجا فيهم. تجدر الاشارة الى ان الاهداف التي يدعيها البعض تتحطم على صخرة الاسبوع الاول من دخوله لهذه البلاد، فالخيال شيء والواقع اخر، وثمة اخدود سحيق بين هذه وتلك.

في فترة ما، اندمجت في المحيط العربي، خسرت كثيرا، وقتا، ومالا، وفرصا، والاهم من كل هذا، اهتماما باللغة الانجليزية، وكأنما هارلم – بريدجفيو حي من احياء عجلون القديمة، وشيكاغو ريدج كما حي معصوم في الزرقاء, أو بتونيا, أو ترمسعيا !

نعم، خسرت كثيرا، وحينما قررت الانفصال فعليا، شعرت بتبدل الصورة وان بشكل بطيء، لكنها افضل من الاختباء في زاوية حادة، لكن هذا الانفصال كان لهدف بعيد، لا علاقة له بما يقال عن العرب هنا، بل لخصوصيات هذه التجربة، ودهشتها، فالمراقبة من خارج الدائرة افضل حالا من المراقبة من داخلها، سيما وان المحددت التي تحول دون اطلاق طاقتك في داخلها تتلاشي في خارجها، لذا تشعر بتحرر فكرتك من شروط المحيط.

من العادي جدا ان تجد فردا يحدثك عن الكرم وهو بخيل اشر، او عن الاخلاق وهو مسخ بملامح انسان، او عن العفة وهو سافل ساقط، او عن الوطنية وهو قابل للبيع والشراء. من العادي جدا ان تجد من يحدثك عن الحرام والعيب وهو يفعله ويركض صوب زواياه.

لم استغرب خلال الفترة الماضية طريقة تفكير هؤلاء لكونها تتناقض مع تعاليم لعادات والتقاليد والدين وحتى الاخلاق، وانعكاس موزايا لتشوهاتهم.

ان تجد نوعيات غاية في الرقي والادب و ذو اخلاق عالية، لامر صعب جدا، اعتراف ان التعامل مع مسيحية الاردنية في شيكاغو تجربة تستحق، هم مندمجون فعليا في مجتمعهم الجديد، لكنهم مازالوا عربا، في تصرفاتهم واحاديثهم، وروعتهم، وتعاضدهم مع اخوانهم المسلمين العرب، الكثير منهم يندمج في اعماله مع جزءه الاخر.
الاندماج لا يكون بالتخلي عن الاخلاق والتشبه بالامريكي، بحيث يصير العربي مسخا مشوها للحضارة، وعالة عليها، صحيح ان الامريكي منظم نوعا ما، يعي جيدا ماذا يريد، يتصف بسمات جميلة، من بسمة ترافقة اينما حل، في تعاملاته، في يومياته، دونما ان يتخلي عما تربى عليه لاقناع الاخرين بمشروعية تصرافاته ونظرته للحياة.

اي ان القادم الى اميركا ليس مطلوبا منه التخلي عما يعرفه ويعلمه لاقناع لاخر بقبوله، فالاخر ينظر اليه نظرة احتقار ان فعل ذلك، لكونه يحترم من يحصن ثقافته ويدافع عنها، وفي ذات الوقت يعمل على الاستفادة من حضارة الاخرين وتقدمهم.

لكم اعجب بالهندي الذي ما زال يلبس العمامة فوق راسه، او يضع البقعة الحمراء بين حاجبيه، لكم اعشق الافريقي الذي مازال يلبس القمصان المزركشة باللوان الحياة، او الاسكوتلندي الذي مازال يلبس تنورته ذات اللونين الاسود والاحمر، او الياباني الذي يأكل بعصاه، او البرازيلي الذي يعشق ايقاع السامبا، او المكسيكي الذي يلبس طاقيته الدائرية، وحزامه الجلدي المدجج ب ” الدبابيس “.

الخلاصة: الاندماج يكون بالتشاركية مع الاخرين لا كضعفاء بل كاقوياء،، ما دون ذلك، سيفشل من يتبع الطريقة التقليدية التي لا تجدي نفعا في هذه البلاد، لكونها تعمل على تشتيت جهد الانسان، في بحثه عن ثقافة جديدة تحل مكان ثقافته السابقة، التي يراها عارا، وعقابا ربانيا منزلاً، لكنه لا يراها مكانا يمكن من خلاله، هضم تجارب الاخرين والاستفادة منها والبناء عليها بما يخدم تجربته.

‫#‏خالدعياصرة‬

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى