سواليف
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
يتوجه الناخبون الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع في 19 مايو المقبل لاختيار رئيس جديد لإيران، في انتخابات تعتبر المفصلية في تاريخ إيران الحديث، حيث يسعى فيها الجناح الإصلاحي لدعم حظوظ الرئيس الحالي (حسن روحاني) إلى الفوز بفترة ثانية في المنصب على اعتبار أن رؤساء إيران قد تمكنوا من الفوز لفترتين متتاليتين منذ العام 1989م، في مواجهة خصومه المحافظين الذين يتمترسون خلف (إبراهيم رئيسي) صاحب السجل القضائي الإجرامي في عقول ووجدان الإيرانيين، يحاول المحافظون اللعب بورقة الانهيار الاقتصادي، وتحميل (روحاني) وفريقه سوء توظيف الاتفاق النووي لرفع العقوبات بموجب الاتفاق النووي الموقع في 2015، هذا إلى جانب توظيف ورقة رحيل (رفسنجاني) في الثامن من يناير 2017 . والذي سوف يشكل حسب رؤية الجناح المحافظ فرصة مهمة لخفض أسهم (روحاني) لتحقيق نصر مريح في الانتخابات الرئاسة هذه المرة، إلى جانب أنه لم يف روحاني ولا فريقه الإصلاحي بوعوده أمام الناخب الإيراني التي أطلقها سابقاً، حول منح المزيدٍ من الحريات وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وفي مقدمتهم قادة الحركة الخضراء، اللذين لازالت قياداتهم تحت الإقامة الجبرية، وأنصارهم قابعين في غياهب السجون، هذا عدا عن حملات الفساد المالي والإداري التي بدأت تطال شخص الرئيس روحاني، واتهامات شقيقه (حسين فريدون) بشبهات تعيينات في مناصب قيادية في القطاعات البنكية الإيرانية، وتداول الإعلام الإيراني للرواتب الفلكية التي كان يتقاضونها، مما أدى إلى استقالات بالجملة .
موت القائد :
الرئيس القادم لإيران سيتولى دفة الرئاسة في ظل أزمات طاحنة متلاحقة أبرزها احتمالية شغور منصب القيادة في أية لحظة، والذي يُمثل أعلى سلطة سياسية وروحية في البلاد، وفي ظل تصاعد التطاحن حول بورصة الأسماء المرشحة لخلافته، وإشاعة أزمة إيجاد البديل، إلى جانب تصاعد وتيرة استنزاف معركة مكاسرة الإرادات السياسية بين المتنافسين الذين لم يشيروا لا من قريب ولا بعيد إلى هذا الموضوع، وهو خلافة المرشد لا في برامجهم ولا في مناظراتهم .
بالمقابل فإن الأرضية لوصول المرشد باتت مُهيئة بعد وفاة (رفسنجائي) المفاجئ والمريب لشخصية اعتبارية تشير كل الدلائل أنها جاءت لصالح المرشح إبراهيم رئيسي ، واكبه تشويه ممنهج لصورة المرشحين المحتملين لخلافة المرشد مثل شهرودي ويزدي وخاتمي… وغيرهم ممن لا تتطابق موصفاتهم مع مقاس المرشد الحالي، ولا لاعتبارات الحرس الثوري الإيراني .
إلى جانب ازدياد وتيرة الصراع المحتدم بشكل غير مسبوق بين أجنحة النظام وبلوغها مراحل استثنائية غير مسبوقة بعد عدم تصديق مجلس صيانة الدستور على ترشيح نجاد ورفيقه بقائي ، اللذين كانا يراهنا على بقاء أحدهما للدخول في السباق الرئاسي ، و نقل الصراع الذي كان خلف الکواليس بين الجناح الواحد ، وإن اختلفت نكهاته إلى العلن، بعد الاصطفاف غير المسبوق خلف ترشيح رجل الدين المتشدد إبراهيم رئيسي ، وعدم السماح بوجود أية شخصية قد تؤثر على حظوظه في الوصول إلى سدة الرئاسة … وإيصال رسالة إلى نجاد فحواها: لا وقت للمناكفات الآن لأن الظرف جلل .
المرشد والجبهة الشعبية لقوي الثورة الإسلامية وقوى الثورة خلف رئيسي :
النتيجة أن التيار المحافظ قد حسم أمره وراء الانتخابات الرئاسية الحالية في إيران، من خلال تشكيله جبهة موحدة تُعرف باسم “الجبهة الشعبية لقوي الثورة الإسلامية”، لتعكس تسميتها صفة الاصطفاف ، والشعبوية ، وقوى الثورة ذات الصبغة الإسلامية، ولتقف بقوة خلف المرشح المحافظ والجديد على الساحة “إبراهيم رئيسي” ، الذي أطلق عليه رجل المرحلة الصعبة ، في الوقت الذي أعلنت فيه مؤسسات الدولة الثورية الوقوف خلفه بقوة – قد بحثنا هذا الموضوع في مقال سابق – وهي رسالة لها دلالاتها الداخلية والخارجية .
كيف يمكن للمتغيرات الدولية والإقليمية التأثير علي تحديد هوية الرئيس الإيراني القادم؟
هناك العديد من المتغيرات الداخلية والخارجية ” الإقليمية والدولية ” التي ستتكاتف، وتعزز فرص حظوظ تحديد هوية الرئيس القادم، مع تعظيم دور المتغير الخارجي هذه المرة أكثر من سواها .
زيادة وتيرة تهديدات ترامب وانتخابات الرئاسة الإيرانية :
تعهد ترامب أمام المجتمع الدولي بتحجيم الأدوار المدمرة والسلبية لإيران، وجمع موارد دفاعية جديدة من الحلفاء لتغطية نفقات أميركا، بعد أن بشر قبل أيام قليلة بأن المنطقة مقبلة على حروب كبرى .
رفع ترامب من وتيرة التصريحات ضد أدوار إيران المزعزعة للأمن والاستقرار العالمي ، والذي تحاول الماكينة الإعلامية لدولة الولي الفقيه تدويرها والترويج لها ، وتوظيفها بشكل منضبط بما يخدم حظوظ المرشح إبراهيم رئيسي المحسوب عليها ، وتوجيه انتقادات لاذعة لروحاني ، على أساس أنه المسئول عن سياسة التقارب مع الغرب، وتحذيره من فكرته التي روج لها مؤخراً، والتي أعلن فيها أن سياسته المعتدلة هي التي جنبت إيران أهوال المواجهة العسكرية؛ مما جعل (المرشد خامنئي) يدخل على خط السجال الانتخابي مباشرة، ويوبخ روحاني على هذا التصريح .
لا شك بأن رفع نبرة وتيرة التهديدات الأميركية ضد إيران سيخدم مرشح حظوظ إبراهيم رئيسي ، ولا سيما وأن مؤسسات الدولة العميقة الإيرانية ستوظف هذا المتغير لخلق تعبئة شعبية هدفها إحداث حالة اصطفاف خلف محور المحافظين اللذين يقفون بالمرصاد للتهديدات الأميركية .
من هنا ولاعتبارات عدة ربما يُمكن للجناح المحافظ توظيف قضية التهديدات الأميركية والإسرائيلية بنفس القدر من الاهتمام الداخلي ببراعة تامة، أكثر مما حظي تحميل روحاني تبعات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها إيران ، وذلك نتيجة عدة اعتبارات؛ لأنه هذا الخطاب يمكنه توجيه اهتمام الطبقات المسحوقة المحسوبة على المرشد وجناحه المحافظ التي تقوم المؤسسات الثورية الخدمية بتقديم المساعدات والمعونات المالية، واحتضان أبنائهم بين صفوفها، الأمر الثاني تعزيز التحالف مع طبقة البازار المتحالفة مع التيار المحافظ أصلاً ، والترويج لمخاطر سياسات روحاني التي كانت ترغب في التسويق لفكرة انفتاح إيران الخارجي في المجال الاقتصادي، وفتح الأسواق الإيرانية أمام الاستثمارات، وتنويع مصادر الاستيراد، مما يهدد الامتيازات التي حققتها هذه الطبقة سابقاً، الأمر الذي يُعزز من فرص تقاربها مع الجناح المحافظ ومرشحه ، حفاظاً على مصالحها أكثر من أي وقت سبق .
من هنا سيسعى الجناح المحافظ كعادته إلى توظيف متغير التصريحات “العدوانية” الأمريكية، و إعلان واشنطن عن حظر دخول مواطني بعض الدول الإسلامية و من بينها إيران في 27 يناير الماضي من هذا العام، في زيادة وتيرة تعبئة الشعب الإيراني، وخلق حالة مؤقتة من الاصطفاف الداخلي، وسيسهم ذلك في ضخ النظام المزيد من هرمون عقدة الأمن التي وظفتها الثورة منذ انتصارها لغاية الآن بصورة سلبية ، للتأثير على آراء جميع مكونات الشعب الإيراني، على اعتبار أن أمن الإيراني وبقائه مرتبط أساساً بالثورة الإسلامية والوقوف خلفها .
انسجاماً مع ما سبق حرص الإعلام الإيراني بشكل مكثف خلال الأيام الماضية من الترويج لفكرة استهداف إيران ، والتخويف من عودة تيار الفتنة مجدداً، ومطالبة الشعب بالوقوف صفاً واحداً لوأده .
هذه المتغيرات بمجملها ستُسهم في رفع نسبة التصويت كما يُراهن النظام على ذلك دوماً ، وهي من الأهداف التي يسعى النظام إلى تعزيزها لمواجهة أصوات المعارضة الخارجية من مجاهدي خلق والأكراد والسنة والعرب ، المروجين لتآكل شرعية الثورة وقياداتها ، ومطالبة الشعب بعدم المشاركة في الانتخابات .
ولهذا، فإن مستقبل العلاقات الأمريكية الإيرانية في ظل إدارة ترامب حسب ما يتم تصويره إيرانياً لا يبدو مبشراً هذه المرة ، ما يدفع الناخب الإيراني أكثر إلى خيار التصويت إلى المحافظين، هذا حسب ما يرغب به المرشد وأعوانه .
صعود تركيا، التحالف الإسلامي بقيادة السعودية، ووصول اليمين المحافظ في أوروبا:
لا شك بأن هذا الصعود لتركيا في منظومة العمل الإسلامي، و كدولة حققت نجاحات اقتصادية وسياسية غير مسبوقة بحيث باتت من أقوى 20 اقتصاد عالمي ، هذا عن الدور المتعاظم لها خاصة على الصعيد الإقليمي غير المفاجئ ، والخشية من عواقب إقرار التعديلات الدستورية ، إلى جانب نجاح المملكة العربية السعودية في بناء تحالف إسلامي هدفه محاصرة النفوذ الإسلامي ، إضافة إلى طروحات جيو – إستراتيجية جديدة باتت تفرض إعادة الاصطفاف الإقليمي والدولي لمواجهة النفوذ الإيرانية ، إضافة إلى صعود اليمين الأوروبي في فرنسا وبريطانيا ….،الذي يتبني طروحات لا تروق لطهران ، كل ذلك سُيشكل، بالإضافة لصعود ترامب والمتغيرات الإقليمية ، تغييراً في الرؤى الإستراتيجية لطهران ، ربما يدفعها لتغيير الوجوه والسياسات الإعلامية ، كما تقول طهران دائماً في خطاباتها مع الغرب، فتعمل الأخيرة على الدفع برئيسٍ من المحافظين لمواجهة كل هذه التحديات بنبرة مرتفعة .
تطورات مداخل الأزمات في المنطقة :
يأتي مدخل الأزمة السورية في مقدمته إيران، إضافة إلى احتمالية مضاعفة هذا المتغير لتوظيف هذه الأزمة كساحة لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، للتأكيد على صدقية الوعود الأميركية، حيث تدرك طهران أن الولايات المتحدة ستنازلها في الساحة السورية، وليس في إيران، لهذا عليها الاستعداد جيداً لهذه الجولة .
الموضوع السوري ينطوي في الأصل على أهمية خاصة من بين كل الملفات الخارجية الشائكة للسياسة الإيرانية، ويتقدم عليها دون منازع، ليس فقط بحكم أن هذه القضية تستحوذ على الأسبقية الرئيسية في الاهتمامات الإيرانية، ولكن أيضاً لما يترتب على هذه الأزمة من احتمالية عالية لنشوب بؤرة للصراع الأميركي الإيراني ، قد تؤدي إلى تقويض مصالح إيران ، وتحطيم لاستراتيجيها وطموحاته الساعية لبناء خط بري من طهران إلى بغداد، ودمشق، وبيروت برمته، ولكن الأكثر أهمية من ذلك يتمثل في إمكانية إقدام الولايات المتحدة، وليس بصورة منفردة هذه المرة ، بل ضمن إطار ائتلاف إقليمي موسع ، بتوجيه ضربة عسكرية إلى النفوذ الإيراني في سوريا للقضاء على ما تمثله من تهديد إقليمي ودولي؛ مما ينذر بحريق شامل قد تصل إلى الثوب الإيراني ، وهو ما لا تتمناه طهران ، لمن ينطوي عليه من جرأة إقليمية غير مسبوقة، تخشى إيران أن تخدش من صورتها كزعيم للمانعة .
في تقديرنا أن طهران قد فهمت الرسائل الأميركية الأخرى دون وسيط ، وبشكل واضح هذه المرة ، وهذا الأمر برز من خلال مؤشرين :
الأول : يتمثل بالضربة الجوية الأمريكية علي مطار الشعيرات السوري ، حيث اعتبرته طهران يُشكل تغيراً إستراتيجياً في تعامل الولايات المتحدة الأمريكية مع الأزمة السورية .
المؤشر الثاني :
الذي تجلى من مفاجأة إدارة (ترامب) العالم بخبر أوردته قناة (السي أن أن ) الأميركية بشكل عاجل يُفيد باستخدام سلاح الجو الأميركي بسلاح “أم القنابل” أو GBU-43/B في أفغانستان، في منطقة لا تبعد بالطيران سوى 50 دقيقة عن الحدود الإيرانية، وإلقائها علي معاقل تنظيم داعش، ما يُمثل تطوراً لم يسبق له مثيل منذ حرب العراق عام 2003، الأمر الذي سمعته طهران، وقرأته بعناية شديدة ، وملخصه أن جواب إدارة (ترامب) لأعدائها، ومن يتحدى إرادتها، قد يكون مفاجئاً ومدمراً .
السيناريوهات :
السيناريو الأول: إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران :
في ظل المتغيرات سالفة الذكر والتي تناولناها بالعرض والتحليل، من المحتمل أن يتبوأ (رئيسي) سدة الرئاسة الإيرانية على افتراض تزوير واسع ستشهده الانتخابات الإيرانية على غرار انتخابات 2009، التي أفرزت الرئيس (نجاد) ؛خاصة أن قطاعات الشعب الإيراني لا تؤيد رئيسي الحافل سجله القضائي بالمآسي، في الوقت الذي يطلق عليه الشعب الإيراني في وسائل التواصل الاجتماعي الإيراني بطل الإعدامات .
السيناريو الثاني : انسحاب رئيسي لصالح عمدة طهران محمد باقر قاليباف :
من الوجوه المحافظة الأخرى التي أيد مجلس صيانة الدستور ترشحها، وله مواقف دموية من الاحتجاجات التي عمت إيران في العام 2009م بعد التزوير الكبير الذي شهدته نتائج الانتخابات الرئاسية، حيث عُيّن رئيساً لخلية الأزمات في طهران إثر اندلاع هذه الاحتجاجات بسبب خبرته في المجال الأمني سابقاً، وكان (قاليباف) قد خاض ثلاثة انتخابات رئاسية سابقة، إلا أن فرص فوزه مقارنة برئيسي تُعد أقل بسبب اصطفاف الحرس الثوري، والبسيج ، ومليشيا حزب الله، والقوى الدينية مع رئيسي، ولكنه في حال احتمال إخفاق (إبراهيم رئيسي) في الانتخابات من خلال قراءته للشارع الإيراني، سوف يقوم المرشد بسحبه، حفاظاً على مكانته وسمعته ولما ينطلي على خسارته من نتائج وخيمة على النظام على فرض كونه المرشح الأوفر حظاً لموقع المرشد القادم لإيران؛ حسب ما عرضنا له في مقالات سابقة .
السيناريو الثالث : فوز روحاني :
وهو أحد السيناريوهات المرجحة بقوة على فرض تفادي عملية التزوير، والخيار العقلاني للنظام بهدف العمل على تقليل الخسائر وزيادة فرص المكاسب، والتعامل بصورة براغماتية – كما عهدنا من النظام الإيراني الثوري طيلة سنوات -الذي يؤمن بعدم الصدام المباشر مع أميركا مهما كلف الأمر، وعليه، فإن دبلوماسية حافة الهاوية والخطاب الراديكالي المعلن، غالباً ما يقابله سلوك سياسي براغماتي إيراني نفعي، سيمثله (روحاني) بأبهى صورة، وسوف يجيد أداء الدور المناط به بحرفية تامة .
وأخيراً، فيمكن القول أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية دائماً كانت حبلى بالمفاجآت الغير سارة بالنسبة للعالم العربي لا تأتي نتائجها بخير، بل على العكس من ذلك تماماً، فلم تستطع إيران أن تخلق لنا نموذجاً يُحتذى لا بالديمقراطية ولا بمبدأ تداول السلطة، والأهم بناء نموذج ناجح لعلاقات إيرانية مبنية على تبادل المصالح والمنافع، وعدم التدخل في الشأن الداخلي العربي .
لكننا نقول أيضاً أننا بتنا على بعد أسابيع قليلة، من تحديد مصير رئيس إيران ومرشده القادم، بل ومستقبل الدولة السياسي.