الاقتصاد والعمل غير المنظمين

أحمد عوض

من المتعارف عليه لدى التنمويين والاقتصاديين أن اتساع الاقتصاد والعمل غير المنظم في أي بلد يعد مؤشرا على ضعف الاقتصاد، ومؤشرا على فشل السياسات الاقتصادية للاستجابة لمتغيرات الاقتصاد الوطني واولوياته.
ويقصد بالاقتصاد غير المنظم والبعض يطلق عليه “غير الرسمي” أو “غير المهيكل”، الوحدات والنشاطات الاقتصادية غير الموثقة- المسجلة- لدى الجهات الرسمية بأي شكل من الأشكال. أما العمل غير المنظم فأقرب مظهر له يتمثل في العاملين الذين لا يتمتعون بأي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية.
وشهد الأردن خلال العقدين الماضيين تناميا واضحا للعيان – مع غياب المؤشرات الإحصائية الدقيقة والمحدثة – لهذا الاقتصاد وللعاملين بشكل غير منظم.
الدراسة الوحيد حول هذا الاقتصاد -في ضوء معرفتنا- أجرتها دائرة الإحصاءات العامة في العام 2011 ونشرت نتائجها في العام 2012، أفادت أن حجم الاقتصاد غير المنظم يقارب 25 % من مجمل الاقتصاد الوطني، أما العاملون بشكل غير منظم في الأردن فقد بلغت نسبتهم حسب الدراسة المذكورة حوالي 44 %.
ومع الإقرار أنه لا يوجد اقتصاد في العالم لا يوجد فيه وحدات وانشطة اقتصادية غير منظمة، ولكن كلما كان الاقتصاد متينا ومتوازنا، كلما قل فيه هذا النوع من الأنشطة الاقتصادية، وكلما قل العمل غير المنظم، كان ذلك مؤشرا على ارتفاع مستوى تمتع أفراد المجتمع والعاملين على وجه الخصوص بالحمايات الاجتماعية التي تعد مؤشرا على رفاه المجتمعات.
مخاطر تنامي هذا النوع من الاقتصاد والعمل عديدة، إذ أن توسع الوحدات والأنشطة الاقتصادية غير الموثقة والمسجلة تحرم خزينة الدولة من إيرادات ضريبية مختلفة الأنواع، حيث لا تخضع الأنشطة والوحدات الاقتصادية غير المنظمة للقوانين المتعلقة بالضرائب المباشرة المتمثلة بضريبة الدخل، وغير المباشرة وخاصة رسوم التسجيل والضريبة العامة على المبيعات لقاء الخدمات التي تعمل فيها.
كذلك فإن المخاطر تمتد لتشمل حرمان قطاعات واسعة من العاملين بشكل غير منظم بالحمايات الاجتماعية في إطار منظومة الضمان الاجتماعي وتحرمهم من شروط العمل اللائقة.
ومنذ اجراء الدراسة المذكورة أعلاه، جرت العديد من التحولات في بنى الاقتصاد الأردني، ويستطيع أي مراقب موضوعي أن يكتشف حالة التوسع التي شهدها الاقتصاد غير المنظم والعمل غير المنظم في الأردن في الوقت الراهن.
قراءة سريعة لبعض المظاهر الاقتصادية والاجتماعية ولبعض المؤشرات الاقتصادية في الأردن تظهر أن الأنشطة الاقتصادية غير المسجلة واسعة جدا، حيث نجد آلاف المقاولين الصغار – سواء الذين يعملون مع أنفسهم أو يشغلون آخرين – وفي مختلف القطاعات.
كذلك تفيد المؤشرات الإحصائية المتعلقة بسوق العمل والمشتركين بالضمان الاجتماعي أن عدد العاملين بشكل غير منظم يقارب نصف القوى العاملة، اذ أن عدد القوى العاملة في الأردن يقارب 2.6 مليون عامل، في حين يقارب عدد المسجلين في المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي 1.3 مليون مشترك بمن فيهم ربات البيوت المسجلات وفق صيغة الاشتراك الاختياري.
في ضوء المؤشرات أعلاه والمخاطر المترتبة عليها، فإن من أولويات راسمي السياسات الاقتصادية العمل على التقليل من تنامي ظاهرتي الاقتصاد والعمل غير المنظمين، لما تحمله من مخاطر على الاقتصاد وعلى مستويات الحماية الاجتماعية في الأردن.
وفي هذا السياق من المفيد التذكير، أن لدينا في الأردن خطة للانتقال من الاقتصاد غير المنظم الى المنظم، حملت عنوان “الاطار الوطني للانتقال الى الاقتصاد المنظم” تم تطويرها في العام 2014 بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، ولا نعلم في أدراج أي الوزارات حطت في الوقت الراهن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى