الاعتزاز بالوحدة وفن قيادة وإدارة الرجال
موسى العدوان
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كان القائد الأعلى لقوات الحلفاء يفتش على قواته. فتش القائد على القطعة المنتظرة لإحدى الوحدات ( الكتائب ) والتي هي شعار كفاءة الوحدة. ثم قامت الوحدة بأحد تمارين التنقل، وهو ما يطلق عليه في المصطلحات العسكرية المسير الطويل. كان أحد الجنود متأخرا عن باقي جنود الوحدة، فسبب له ذلك ألما نفسيا شديدا. فما كان منه إلا أن عبأ بندقيته وصوبها إلى قلبه وأطلق النار على نفسه.
ولكن الرصاصة لم تصب قلبه، بل سببت له جرحا خطيرا، فعبأ البندقية مرة ثانية ليكرر العملية والتصويب إلى قلبه بصورة أدق من فعلته السابقة. ولكن زملاؤه منعوه من ذلك ونقلوه بصورة مستعجلة إلى المستشفى. وهناك رفض الجندي الجريح العلاج أو الأكل، مدعيا بأنه كان سببا في تخفيض كفاءة وحدته.
وعندما علم القائد الأعلى بالحادثة، كتب للجندي الجريح رسالة شخصية، قال فيها بأنه معجب بالوحدة التي ينتسب إليها، وبهندام القطعة المنتظرة التي فتش عليها عند زيارته، وأنه سيأتي شخصيا إلى المستشفى لزيارته، ويأمل أن يجده على ما يرام وبصحة جيدة.
وبعد أن قرأ الجندي الجريح رسالة القائد الأعلى، ارتاح نفسيا وتناول الطعام ثم تقبل العلاج، فتحسنت حالته الصحية وشفي من جرحه الخطير. أما الوحدة التي كان ينتسب إليها الجندي، فقد أخذت رسالة القائد الأعلى واحتفظت بها في سجلاتها، كمثل على فن قيادة وإدارة الرجال.
* * *
السؤال الذي أوجهه الآن للعسكريين هو : هل هناك بين الصفوف جندي أو ضابط لديه الاستعداد للتضحية بنفسه هذه الأيام، من أجل الحفاظ على سمعة وحدته نتيجة لتقصيره ؟ ثم لو حدث مثل هذا الحادث في وحداتنا العسكرية أو الأمنية، هل سيتصرف القادة في المستويات العليا، كما تصرف القائد الأعلى لجيوش الحلفاء، أم سيحاكم الجندي ويغرمه ثمن الطلقة التي ثأر بها من نفسه ؟ أعتقد – وأتمنى أن أكون مخطئا – أن التصرف الأخير سيكون هو السائد في هذه الحالة . . !