الاعتراف بتضحيات المحاربين القدامى / موسى العدوان

الاعتراف بتضحيات المحاربين القدامى
يقول المؤرخ الأردني سليمان موسى في كتابه القيّم ” أيام لا تُنسى “، والذي نشر عام 1982 وتطرّق به إلى دور الجيش الأردني، في مقارعة اليهود في حرب عام 1948 ما يلي واقتبس :
” مع مضي الزمن ازددت اقتناعا بأهمية العمل الذي أقوم به : هؤلاء الرجال الذين واجهوا الموت في سبيل الوطن، ماذا قدم الوطن لهم بالمقابل ؟ وتكشفت لي جراح وأوجاع نفسية. كثيرون كانوا يشعرون أن الوطن أهملهم ومنسيهم. كثيرون ترددوا في التحدث إليّ لاعتقادهم أن الوطن لم يعد يسأل عنهم ويهتم بهم.
والآن أراني أقول : ما أجدر هؤلاء الأبطال بمزيد من الاهتمام والعناية. هؤلاء الذين حافظوا على شرف الوطن في أيام الخطر، حينما كنت أنا وأمثالي بعيدين عن الخطر. وتعاظم في نفسي الشعور بمسؤوليتي الشخصية. على الأقل أستطيع أن أنوب عن الوطن في كتابة قصة هذه الحرب. لا يكفي القول أن عيد إدليم استشهد في معركة النوتردام، وأن عبد الله فلاح استشهد في معركة قوله. علي أن أروي القصة كما وقعت فعلا. عليّ أن أتصور كيف حدث ما حدث، وأن أرسم تصوراتي سطورا على الصفحات.
فهل قمت بالواجب ؟ وهل أديت الأمانة ؟ وهل وفيت بعض الدين الذي لهؤلاء الرجال في عنقي وأعناق غيري من أبناء الأردن وفلسطين على وجه الخصوص ؟ لقد أتاح لي نشر هذه الحلقات على صفحات جريدة الرأي، مجال التعرف على رد الفعال عن أولئك الذين يعنيهم الأمر مباشرة.
وهنا أعطي مثالا واحدا : اتصلت بي ذات يوم سيدة ( كان زوجها قد غادر الأردن إلى بلاد بعيدة ) وقالت عبر الهاتف : لقد سالت دموعي من فرط التأثر عندما قرأت ما كتبت عن زوجي. كان يظن أن جهده ذهب في طيات النسيان، والآن اكتشفنا أن الدنيا ملا تزال بخير. قلت لها : كفى يا سيدتي، إن في كلماتك جزاء كافيا لي عن الليالي الطويلة التي سهرت والمشقات التي تكبدت . . عندئذ أيقنت أكثر من أي وقت مضى، أن، مداواة القلوب المكلومة نعمة من السماء “. انتهى الاقتباس.
* * *
* التعليق :
أتساءل – رغم أنني لم أتشرف بالقتال في تلك الحرب – هل يعترف معظم مسئولي اليوم بتلك التضحيات، لرجال عاهدوا الله أن يضحوا بحياتهم من أجل فلسطين، دون أن ينظروا لمصالحهم الشخصية أو لعائداتهم المادية مقابل ما يقدموه للوطن ؟ هل خطر ببال أي مسؤول أن يتفقد من بقي من أولئك الرجال على قيد الحياة وما هي أحوال عائلاتهم المعيشية؟
أطمئن المؤرخ الراحل سليمان موسى عليه الرحمة، بأن التنكر والنسيان لؤلئك الأبطال من قبل فرسان الكراسي هذه الأيام ما زال قائما، وأنهم لا يرغبون حتى بسماع سيرتهم وما فعلوه في تلك الحرب. رحمة الله على شهداء الأردن والمتوفين جميعا ممن ساهموا في الدفاع عن الأردن، مع تمنياتي لمن بقي منهم على قيد الحياة، دوام الصحة وحسن الختام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى