الاشاعة والاثر النفسي / محمد الجبور

الاشاعة والاثر النفسي

كثيراً ما تؤدي الإثارات الصغيرة إلى ظهور أشياء كبيرة تعقبها في حالتي السلب والإيجاب وضمن سياق هذا الاستنتاج الصحيح الملموس جراء التجارب والوقائع فيما يتعلق بأسيجة مواجهة الشائعات، فمهما امتازت تلك الاسيجة من قابلية الصد، فإن الشائعة المناوئة المطلقة بتوقيت سايكولوجي مدروس تستطيع عملياً اختراق تلك الاسيجة بحيث تصل إلى حدود الاسماع. إن الإشاعة في هذه الحالة تعتبر نوعاً من الحرب النفسية سواء مرت سريعاً أو بقيت متداولة اجتماعياً لفترة قصرت أم طالت مع التناهي أن الإشاعة لا تتناقل إلا في وسط اجتماعي يعاني أفراده من تخلخل في درجة الوعي الفكري والاستيعاب السياسي، خصوصاً إذا ما علم بأن مسودة ديباجة قــرار الإشاعة، عادة ما يخضع لدراسة سايكولوجية ليس لمعرفة مستوى الآخر بل وطريقة تفكيره أيضا وفي هذا المجال يمكن التذكير بأن سياسة فرّق تسد الاستعمارية غالباً ما تستند في خلفيات إثاراتها إلى تشكيلات الإشاعة وانواعها فاشاعات تطلق بقصد الترهيب وبالذات أثناء اندلاع الحروب والأحداث الانقلابية الجسام وحتى تكون الإشاعة المعينة قد اضحت متداولة على الألسن تكون قد دخلت حيز النجاح المؤقت أو المطوّل وتدل حقائق التاريخ أن عمر الإشاعة مهما طال فإن العد العكسي يشملها حتى تضمحل وتتلاشى عن التداول لدى الناس ثم يستنكرها المجتمع على ما كان قد تحقق من مقاصدها الضدّية و تأتي الإشاعة دوماً كتحدٍ سلبي خلافاً لقواعد السلوك الإعلامي وتواجه مهمة الإشاعة فشلها الذريع متى ما امتنع الناس عن تصديق اكذوبتها أو رفضوا تردديها، بسبب هشاشة موضوع إثارتها. ومن هذه النقطة يمكن أن تبدأ عملية مقاومة الإشاعة الآخذة أحيانا منحيات عدة ومجالات واسعة فبالوعي المستقرء لفكر الآخر يستطيع المرء معرفة ملامح تشويش الإشاعة المعينة وبالتالي سيساهم في إلغاء فعلها عن طريق تجاهلها وأكيد فإن التعريف ببعض عينات الإشاعة الإعلامية يترجم عنواناً نحو معرفة النوع في الافتراء الذي يبغيه مطلقو الإشاعة المحددة، فالإعلام المسيّس لصالح السلطات غير الشرعية في بعض الدول على سبيل المثال يحاول الدفاع المستميت عن لا شرعية تلك السلطات الغاصبة للحكم وحتى عندما تقترف تلك السلطات عمليات الترهيب والإرهاب والقتل ضد مواطنيها الابرياء، قبل تقديمهم إلى محاكمات عادلة وعلنية يلاحظ أن الإعلام الآنف ويكحل عيون السلطويين القتلة ويجمل لهم المبررات التي يضعها تحت لافتة مقتضيات المصلحة العامة فإذ يفترض في الإعلاميات أن لا تكون أدوات رخيصة لتقوية الواجهات السياسية للسلطات الجائرة، فالدولة الداعية للحق والمنتحلة لنفسها صفة التبجح بالديمقراطية على المستوى النظري واللا حريصة عملياً على حياة وكرامة ومصير مواطنيها لا تمثل دولة قوانين ومؤسسات لأن ثمة تناقض سيبرزه الواقع عند تجريب الدولة لحظها بميدان الإعلام. فحال التعامل بين المجتمعات والسلطات المفروضة عليها يفيد بأن الدولة أي دولة في هذه الشاكلة تعمل بتسخير امكاناتها وفق نهج مضاد لسمعتها في نهاية الأمر من حيث تدري أو لا تدري على أقل تقدير إذ هي بذاك تعكس حول مسألة انتحال كيانها للحق وتطبيق الديمقراطية إشاعة معاكسة منها وإليها إنّ الإشاعة التي غالباً ما تأتي مفاجئة للعقول تسندها مقدمات ظروف وتهيئات مناخ يساعدان على ترسيخ بعض الاعتقاد بالإشاعة وعلى وجهه الخصوص حين تراعي شيئاً من المنطق المحبوك فمن يستطيع أن ينسى التحرشات الإعلامية للغرب بعدالة ثوار وأحرار مخلصين لشعوبهم قادوا ثورات تحررية عظمى في بلدانهم، ولعل اختراق الإشاعة للرأي الاجتماعي العام لا يتطلب تحييد ردة الفعل اتجاه ذلك الاختراق بل ينبغي مواجهته بسلاح الوعي والتواعي بين الناس و
من أولويات تقييم العمل الإعلامي هو إتمام خطوة التركيز على معرفة فن وابعاد النوع الإعلامي وبالذات منه الإعلام المضاد سواء كانت مادته الإعلامية مقدمة محلياً أو اقليمياً أو دولياً فإن ما تأتي به مادة الإعلام المعروضة سواء كانت تعليقاً مشاكساً ضمن برنامج مرئي أو مسموع او عبر صفحات التواصل الاجتماعي مثلاً أو جاءت بواسطة مقال صحفي الخ ولنرى كيف عولجت شائعة أطلقها صحافي ضد كورازون اكنيو رئيسة الفلبين أثناء تصعيد أحداث محاولة انقلاب عسكري فاشلة وقعت ضدها في شهر آب سنة 1986م فقد أشاع لويس بيلتران وهو من ابرز الصحافيين في جريدة ذي فيليبين ستار ضمن عموده الثابت في الجريدة أن الرئيسة اكينو قد اختبأت تحت سرير نومها عندما بدأت عملية الهجوم العسكري من قبل عدد من العسكريين الانقلابيين المكلفين باحتلال قصرها الرئاسي وبعد أن فشل الانقلاب وبقيت اكينو تمارس مسؤوليتها الرئاسية لأكثر من سنة، اعتقد الصحفي بيلتران بأن شائعته الإعلامية عنها قد طواها الزمن، حتى جاء يوم 12 تشرين الأول من السنة التالية 1987م فإذا بـ اكينو وبحسب ما نقلته وكالة رويتر للأنباء بأن الرئيسة اكنيو قد دعت عدد من الصحافيين لزيارة جناحها الخاص داخل القصر الرئاسي واطلعتهم على سريرها الذي امتاز بارتفاعه عدة سنتيمترات عن مستوى أرضية قاعة النوم وأثبتت لهم أن المرء لن يستطيع الدخول تحته ثم قالت للحضور هذا سريري ويستحيل أن اختبئ تحته ثم صرّحت بأنها ستقاضي الصحافي بيلتران بدعوى السخرية والتشهير لتعطيه درساً لن ينساه طوال حياته بعد ذلك أضافت أكينو بأنها لن تدعه يفعل ذلك ويفلت من حساب القانون
إن تصرف رئيسة الفيليبين اكينو لمواجهة إشاعة ظالمة قد أطلقها صحافي ضدها منتهزاً ظرفاً سياسياً طارئاً لمثال ينبغي أن يحتذى في البلدان الأخرى من أجل علاقة إعلامية أفضل بين الحاكم والمحكوم فالعالم اليوم بحاجة فعلية أكثر ليصدر قوانينه ضد كل من تسول له نفسه ويطلق الشائعات والأكاذيب الإعلامية ضد الآخرين على خلفية تحقيق مكاسب دعائية ضيقة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى