الاستثمار في العقول والكفاءات الجامعية

الاستثمار في العقول والكفاءات الجامعية
إبراهيم هادي الشبول

… الجامعات هي العصب الأساس للتنمية المُستدامة وبناء الاقتصاد المعرفي، وتُعلق عليها الآمال في تقدم المجتمع وازدهاره، وتصحيح مساراته التنموية ومعالجة المشاكل والظواهر التي تظهر، وتقديم الحلول لها، لهذا لا بد من استثمارها والإفادة من امكانياتها في بناء المجتمع وتطوره، خاصة في ظل التغيرات والتطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، وذلك من خلال الاستثمار في العقول والكفاءات والأدمغة الموجودة فيها، والمحافظة عليها قبل البحث عن الاستقطاب، وذلك من خلال بناء نظام يشحذ الطاقات ويُحفز العقول، ويحث على الإبداع، ويُسلط الضوء على حاجاتهم ومتطلباتهم لتحفيزهم على التميز والإبداع للمساهمة في بناء الوطن ورفعته.
.. الوضع يحتاج لوقفة جدّية وتضافرًا للجهود وتكاتفها للبحث عن أحسن الطرق وأنجعها في كيفية الإفادة من العقول والكفاءات العلمية الموجودة بالجامعات، وُحسن توظيفها واستغلالها لما فيه المصلحة العامة، بدلًا من تركها وإهمالها حتى تضمر أو تُهاجر، وأول هذه الأمور وأهمها، ولا نجاح لعملية استثمار الادمغة إلا بحُسن اختيار قادة الجامعة (الرئيس أولًا ومن ثم النواب والعمداء وغيرهم)، نعم قادة وليس مُجرد مسؤولين يتم تعيينهم بالواسطة أو بالمحسوبيّة، أو بالمُحاصصة أو لإقصاء كفاءة مؤهلّة، أو كجائزة ترضية وغير ذلك من الأمور التي أصبحنا نُعاني من نتائجها !
.. نعم، لا بد للجامعة وعلى قمة هرمها من قائد مُبدع مُميز واثق من نفسه، يحب التطوير والتغيير والتجديد، يتميز ببعد النظر، واضعًا نصب عينيه أن صناعة رأس المال البشري أحد أهم الأهداف الإستراتيجية للتنمية، يُخطط للمستقبل ويصنعه، يُطبق الأفكار، يحفز ويلهم الأخرين، يصنع الأبطال وقادة المستقبل، يهتم بروح الفريق ومعنوياته، يرقى بالمؤسسة إلى آفاق عالية ومستويات مرموقة، يتعامل بحكمه ويشرك الآخرين في الإدارة، أي يمتلك الإخلاص والبراعة في التخطيط والإدارة والتنفيذ، قادر على تغيير ثقافة المؤسسة وتحسينها لتتقبل التغيير وتتكيف معه، يُحسن استعمال واستيعاب الكفاءات واستغلال قدراتها والمحافظة عليها وإرضاءها وظيفيًا، حتى تُقدم أفضل ما لديها من أداء وإنجاز بالعمل، وصولًا إلى الإبداع والرقي والتميز، يعمل إنشاء بيئة من الحريات العامة والعلمية والأكاديمية تضمن فرص التقدم الوظيفي لمن يستحق، وتطبق معايير الاستحقاق بجدارة، وكذلك دعم البحث العلمي، وزيادة مجالاته، وغير ذلك مما يُسهم بتحفيز الأدمغة، وبالتالي المحافظة عليها من التسرب والهجرة، ثم نندم، وننادي باستقطاب العقول.
.. يبدو أن بعض جامعاتنا تحتاج إلى ثورة إدارية، فلا مجال لنجاح أية مؤسسة لا تتم إدارتها على أسس علمية عادلة تحفظ الحقوق وتحفز العقول على العمل والابداع والتميز، وكل هذا مرتبط بالكيفية التي يدير بها القائد (الرئيس) المؤسسة، وبالنمط القيادي الذي يمارسه، وبالصفات القيادية التي تتمثل في شخصيته وقدرته على توظيف إمكانياته نحو العمل البناء، وحُسن اختيار فريقه، ومن ثم تحسين أداء العمل لدى العاملين وتحفيزهم على العطاء المستمر، لأنه وللأسف ما زال بعض المسؤولين (وهم غير القادة) تقليديين، مُعظم تركيزهم واهتمامهم مُركز على المنصب وكيفية الاحتفاظ به، وذلك من خلال ارضاء من يدعمه ويقوي موقفه ولو على حساب المؤسسة، وايضًا من خلال ما يتم نشره اعلاميًا من انجازات حقيقية ووهمية ومُنتحلة.
لقد أصبح الاستثمار في العقول هدفًا ومبتغى للدول المتقدمة والشركات الكبرى، فهو الاستثمار الأنجح والأكثر ربحًا، والعقول البشرية هي الثروة الحقيقية لِما تحويه من ثروة فكرية تكنولوجية وعلمية، فهي مخزن الأفكار ومستودع الابداع. ولكي نُخرج تلك الأفكار من عقول أصحابها، ونترجمها إلى واقع ملموس، يجب علينا دعمهم وتحفيزهم وتطويرهم وتهيئة البيئة المناسبة لهم، واعطائهم الفُرص التي يستحقونها، وتوفير ما يحتاجونه من وسائل البحث، وتشجيعهم على تطبيق المناهج العلمية والتقنيات الحديثة، والتركيز على تعظيم إنتاج البحوث الإبداعية والابتكار، وبخاصة تلك التي تـُسهم في تطوير الاقتصاد الوطني المبني على المعرفة، وبدونها لا يمكن الوصول الى الإبداع والتطور والتميز والابتكار، وبالتالي المُنافسة والمحافظة على البقاء.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى