
” #الاستثمار في #الإنسان #استراتيجية نجاح لا بديل عنها”
الأستاذ الدكتور #أمجد_الفاهوم
لا يبني القادة العظماء شركات ناجحة فحسب، بل يصنعون فرقًا تنمو معهم وتزدهر. فالمؤسسة، مهما امتلكت من موارد مالية أو تقنيات متطورة، تبقى قوة فريقها البشري هي المحرك الحقيقي لاستمرار النجاح. وفي عالم سريع التغير، لم يعد بناء فريق عمل متميز خيارًا إضافيًا يمكن الاستغناء عنه، بل أصبح ضرورة استراتيجية لتحقيق الاستقرار والقدرة على المنافسة في الأسواق المفتوحة.
وتؤكد الأرقام هذه الحقيقة بوضوح؛ فالدراسات العالمية تشير إلى أن 94% من الموظفين يختارون البقاء في الشركات التي توفر فرصًا حقيقية للتدريب والتطوير، في حين أن 70% من الموظفين يبحثون عن بيئة بديلة إذا غاب هذا الاستثمار. وهذا يعني أن غياب الرؤية الواضحة لتنمية الكفاءات لا يهدد فقط استقرار المؤسسة، بل يفتح الباب لهجرة العقول والمهارات التي يصعب تعويضها، وهو ما يضعف تنافسية المؤسسة على المدى الطويل.
فالنماذج العالمية هي خير شاهد على ذلك، فقد استطاعت مايكروسوفت أن تعيد بناء سمعتها وتوسيع حضورها العالمي من خلال التركيز على تطوير فرق العمل ومهاراتهم بشكل مستمر، وهو ما جعلها أكثر قدرة على الابتكار والتوسع. وعلى الجانب الآخر، اتخذت غوغل مسارًا مختلفًا، حيث وفرت بيئة مرنة وإبداعية، واعتبرت موظفيها شركاء في صنع القرار، الأمر الذي مكّنها من التحول من مجرد محرك بحث إلى إمبراطورية تكنولوجية متكاملة تضم عشرات المنتجات والخدمات التي يعتمد عليها الملايين يوميًا.
إن بناء الفريق لا يقتصر على توزيع المهام أو تنظيم العمل، بل يتطلب بناء ثقافة داخلية قائمة على الثقة، والتمكين، والشعور بالأمان الوظيفي. فحين يحظى الموظف بفرصة للتعلم المستمر، ويُمنح المساحة ليطرح أفكاره ويبتكر حلولًا جديدة، فإنه يتحول من مجرد عنصر تنفيذي إلى شريك فعلي في صياغة مستقبل المؤسسة. وعندما يشعر الموظفون أنهم جزء من قصة النجاح، يصبح التزامهم برؤية المؤسسة أقوى، وتتضاعف قدرتهم على تحويل التحديات إلى فرص للنمو والتميز.
ولا يقتصر أثر الاستثمار في الإنسان على داخل المؤسسة فحسب، بل يمتد ليشمل سمعتها في السوق وثقة عملائها ومكانتها في المجتمع. فالمؤسسات التي تستثمر في موظفيها تُعرف بأنها بيئات جاذبة للكفاءات، وهذا يفتح أمامها المجال لاستقطاب أفضل الطاقات والحفاظ عليها. كما أن هذا الاستثمار ينعكس على جودة المنتج أو الخدمة، وهو ما يعزز القدرة التنافسية في الأسواق المحلية والعالمية.
في السياق المحلي، يمكن للمؤسسات الأردنية والعربية أن تستفيد من هذه التجارب عبر التركيز على التدريب المستمر، وربط الموظفين بأهداف المؤسسة، وتبني سياسات عمل مرنة تراعي احتياجات الأجيال الجديدة من القوى العاملة. فالشباب اليوم يبحثون عن بيئات عمل تحترم إبداعهم وتقدّر جهودهم، وهو ما يتطلب تغييرًا في ثقافة الإدارة التقليدية نحو أسلوب أكثر تشاركية ومرونة.
إن الاستثمار في الإنسان هو في جوهره استثمار في استقرار المؤسسة ونموّها المستدام، وهو الطريق لبناء سمعة قوية واقتصاد قادر على مواجهة التحديات. وعندما يدرك القادة أن نجاحهم لا ينفصل عن نجاح فرقهم، يتحول التميز من شعار إلى حقيقة ملموسة، ويصبح ارتقاء المؤسسة مسارًا طبيعيًا لا تعيقه العقبات. فالمؤسسة التي تضع الإنسان في قلب استراتيجيتها، هي المؤسسة التي تضمن لنفسها مكانة راسخة في المستقبل.