الاستبداد مستمر في تقزيم رمز الديمقراطية
إن ما حدث بين رئيس السلطة التنفيذية(الحكومة) ورئيس السلطة التشريعية(النواب) على خلفية التعيينات التي قام بها رئيس مجلس النواب ، والتي “ترددت” الحكومة في الموافقة عليها ، لأنها تعيينات حسب ادعاء الحكومة لم تخضع للمنافسة الحقيقية والشفافية كما أنها خارج ديوان الخدمة المدنية صاحب اختصاص تعيينات القطاع العام ، بل خضعت للواسطة والمحسوبية ، وهذا صحيح فالأسماء المسربة لقائمة التعيينات تؤكد أن جميعهم من أبناء النواب أو أقاربهم.
ولكن السؤال المطروح هنا ، هل جميع التعيينات التي تتم خارج ديوان الخدمة المدنية في المؤسسات المستقلة كالملكية والجامعات والفوسفات والبوتاس …….الخ ، تخضع للمنافسة والشفافية!!!؟
بعيداً عن هذه الحيثية وهذا التراشق الإعلامي بين النسور والطراونة والذي لا يخرج عن الثأر كلٍ لنفسه وليس للوطن ، في اعتقادي أن سبب كل هذا هو التصور النمطي الذي أُريد له أن يتشكل لدى الناس عن الديمقراطية ورمزها مجلس النواب أو المجالس التي انتخبوها ، وهو تصور يضع مجلس النواب في قالب “مجلس خدمات” لا أكثر ولا اقل ونواب انتهازيين دورهم لا يتعدى تقديم خدمة لناخبيهم لا تخرج عن البحث عن وظيفة أو إعفاء طبي أو تجنيد عسكري أو نقله من وحدة إلى أخرى أو تأمين قبول طالب جامعي أو نقله من جامعة في الجنوب إلى أخرى في الشمال أو العكس ، وغيرها من هذه الخدمات التي كان يقوم بها في السابق “الباشاوات” أو المخاتير أو بعض المتنفذين من عسكريين أو مدنيين في وظائف عليا لأبناء منطقتهم أو عشيرتهم ، قبل إنشاء ديوان الخدمة المدنية ، لترسيخ بعض الزعامات التقليدية والموالية في مناطقهم.
هذا الدور عمل النظام على تعزيزه وترسيخه من خلال فتح أبواب مؤسسات الدولة للنواب وخاصة للموالين منهم للنظام ، وكان حجم هذه الأعطيات يُقدر بحجم النائب وقوته – عشائرية ، سياسية ، اقتصادية …الخ – فمنهم من كان يُحسب حسابه بوزراء أو أمناء عامين أو سفراء أو مدراء عامين أو رؤساء وأساتذة جامعات ، ومنهم من كان يكتفي بوظيفة قطاع عام أو وظائف الفئة الثالثة ، وعليه أصبح حكم الناس على هذا النائب أو ذاك تنطلق من قوته في التعيينات المذكورة ، بل وصل الأمر أكثر من ذلك ففي عهد أحد رؤساء الوزارات والذي يتبوأ ألان منصباً رفيعاً أن وزع أموالاً نقدية للنواب لتوزيعها على ناخبيهم ، بحيث حول هذا الرئيس النواب إلى مؤسسات تنمية اجتماعية ، كما أنها دعوة علنية لشراء الذمم.
اختزال مجلس النواب بهذا القالب ، المقصود منه تفريغ العملية الديمقراطية من محتواها وإبعاده عن دوره الحقيقي في المراقبة لأداء الحكومة وسن التشريعات الناظمة للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية ….الخ. فالأنظمة المستبدة تدرك أن العملية الديمقراطية كائن حي ينمو ويتطور إذا ما أُعطي الفرصة لذلك ، وهي تدرك أيضا أن مجالس النواب في الدول الديمقراطية قادت الإصلاحات السياسية وعززت من سلطة الشعب ، وأصبحت هذه المجالس هي التي تدير البلاد بشكل فعلي من خلال ما يعرف بالحكومات البرلمانية ، وهذا ما يسعى لمحاربته النظام في الأردن بكل ما أُتي من قوة ، من خلال تعزيز هذا التصور النمطي للمجالس المنتخبة ، ومن خلال قوانين انتخابات متخلفة لا تعبر عن القوى الحقيقية في المجتمع ، بل تمزقه وتجعل منه مجموعات متناحرة على غنائم الوطن ومقدراته أو ما يقدم إليهم على شكل هبات ومكرمات ، كل ذلك لتعزيز سلطة الاستبداد والمستبدين والخاسر الوحيد هو الوطن الذي يزعم الجميع أنهم يفدوه بالأرواح والمهج.