الاستبداد في أنظمة الحكم ومعايير التقييم . . !

الاستبداد في #أنظمة_الحكم ومعايير التقييم . . !

موسى العدوان

#الاستبداد كلمة ثقيلة الوقع على السمع ومنفّرة لمتلقيها، لأنها توحي بالظلم و #استعباد الآخرين، وتتنافى مع الطبيعة الإنسانية و #الحرية التي منحها الخالق لعباده عند ولادتهم. ومن المعروف أن الاستبداد و #العدل، ضدان متنافران لا يلتقيان. فكل إرادة مستبدة تسعى جهدها لتغييب العدل وتكريس #الظلم ووأد #الحريات. ولكن رغم ذلك، فقد ينبت من بين صخور الاستبداد، علماء ومفكرين وطنيين، يبذلون أقصى طاقاتهم لتنوير الناس، وحثهم على الانعتاق من الاستعباد الذي يقيدهم، لكي يتنسموا رياح الحرية والديمقراطية.

وعلى أي حال، ما أن يذكر الاستبداد إلا ويتبادر إلى الذهن عبد الرحمن الكواكبي، الذي أطلق من منفاه الاختياري بمصر في بداية القرن الماضي، صرخته الشهيرة في كتابه ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد “، معلنا الحرب على كل حاكم مستبد، ويوقظ الجماهير الغافلة. وقد عرّف الاستبداد ” بأنه تصرف فرد أو مجموعة من المسؤولين، في شؤون الرعية بلا خشية من حساب أو عقاب “.

يقول الكواكبي كذلك : ” إن خير ما يُستدل به على استبداد الحكومات، هو تغالبها في شأن وفخامة القصور، وعظمة الحفلات ومراسيم التشريفات وعلائم الأبهة، ونحو ذلك من التمويهات التي يسترهب بها الملوك رعاياهم، عوضا عن العقل والمفاداة. وهذه التمويهات يلجأ إليها المستبد كما يلجأ قليل العز للتكبر، وقليل العلم للتصوف، وقليل الصدق لليمين، وقليل المال لزينة اللباس “.

يقول الأستاذ أحمد التلاوي وفي عرضه لكتاب الدكتورة اليمنية هناء البيضاني بعنوان ” مفهوم الاستبداد في الفكر الإسلامي المعاصر ما يلي :

” في ظل الأجواء المحيطة بالشعوب الغربية في الوقت الراهن، وما تعانيه هذه الشعوب من ظلم وقهر، قامت ضده ثورات عديدة، فجاء هذا الكتاب ليلقي الضوء على أهم ظاهرة شملت شعوبا كثيرة على مر التاريخ، وهي ظاهرة الاستبداد “. والاستبداد قد يأخذ شكلا أو أكثر من الأشكال التالية، في ممارسة السلطة المطلقة هي :

* الفساد السياسي : ومن بين صوره، القفز إلى سدة الحكم بالقوة وزوال سيادة القانون، الحؤول دون المشاركة السياسية، سيطرة وتجبر بطانة السوء بممارساتها، تبني آليات الدولة البوليسية سن القوانين المكمّمة للأفواه وقمع حرية الرأي، التضييق على المحتجين وتهديدهم بمعاقبة أقاربهم، وزج النشطاء السياسيين في السجون بسبب كلمة، أو على شعار يطلق في الهواء. وقد يقتدي الحاكم المستبد بما قاله فرعون مصر لقومه : ” ما أريكم إلا ما أرى “، أو كما قال لويس الرابع عشر ملك فرنسا لشعبه : ” أنا الدولة والدولة أنا “، وهذا ما يمثل حكم الطغاة المستبدين.

* الفساد الاقتصادي : ومن بين صوره، الإسراف والبذخ في التصرف بأموال الدولة، فرض قوانين الجباية المجحفة على الشعب، إيجاد المؤسسات الرديفة لدوائر الدولة، الإنفاق المبالغ به على المؤسسات العسكرية والأمنية، من أجل ضمان ولائها للحاكم المستبد.

* الفساد الإداري : ومن بين مظاهره، فساد الأجهزة الأمنية، فساد كبار موظفي الدولة، تفشي المحسوبية والشللية بالتعيين في الوظائف العامة وإعادة تدوير الكراسي، شخصنة السلطة وعدم محاسبة الفاسدين، التبذير في الإنفاق العام، منح الأعطيات المالية والقصور للمقربين من أموال الشعب، منح الرواتب العالية للمحاسيب والأقارب، اختلال سلم الرواتب بين مختلف وظائف الدولة، وأخيرا مركزية القرار.

* الفساد القضائي : ومن أبرز أدواته تعطيل العدالة، وتلفيق التهم الكاذبة للسياسيين والناشطين وزجهم بالسجون، أو توقيفهم لفترات طويلة دون محاكمة، تقرّب الحاكم من القضاة والعلماء لكسب ودهم وتأييدهم ومحاباتهم في تطبيق القانون. وعندما يستفحل الاستبداد، يلجأ المسؤول المختص إلى أسلوب ( الألو )، كي يوجه أدواته المعلوفة، في مختلف مفاصل الدولة لأداء الأفعال المطلوبة.

يختم الكواكبي موضوع الاستبداد، بتقديم النصيحة التالية لكل من يقرأ كتابه : ” لا تخف أبدا من قول الصدق والحقيقة، من أجل التعاطف ضد الظلم والكذب والطمع. ولو فعل كل الناس ذلك، فمن المؤكد أن حياتهم ستتغير إلى الأفضل”. وكما هو معروف فإن وقوع الظلم في أي مكان، يهدد سيادة العدل في كل مكان. والخطيئة التي تلقي بثقلها على أكتاف الجميع، ليست في ظلم الظالمين، بل على استسلام وصمت المظلومين على ظلمهم.

وختاما أقول : إذا أراد أي مواطن أن يعرف طبيعة حكومة بلاده، فيمكنه استخدام المعيار الوارد بأعلاه، كدليل لمعرفة أين موقع حكومته بين معادلتي الاستبداد والديمقراطية . . !

التاريخ : 14 / 9 / 2022

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى