طغيان اللحظة ! / اسماعيل أبو البندورة

طغيان اللحظة !

طغيان اللحظة العربية ( السياسية ، الاجتماعية ، الثقافية ، الاقتصادية ) يعطل الأفكار والاستشرافات الانقاذية والمبادرات الكبيرة ، ويعمق الفراغ والبطالة والكسل الفكري ، ويضبّب الآفاق والفضاءات ، ويغيّب الرؤى وفرص الاختراق ، ويكثّف الانسداد ، ويفتح المجال للمغامرات والانزلاقات وشيوع الفكر اليومي الحدثاني – والسطحي في أحيان كثيرة – وتلك حالة من حالات انشداه المجتمعات وتغيرها وضياعها وتحولها إلى العدمية وفقدان الأمل أوجعلها مجتمعات افتراضية كما يتردد .
تركيبة اللحظة العربية الراهنة غرائبية تختلف عن لحظات سابقة ذلك أنها تتجرد من الكثير من القيم والنظم والأعراف السياسية والأخلاقية التي كانت سائدة في حقب سابقة ولذا تتبدى فيها الغرابة والالتباس وكل ما ينسب إلى اللامعقول وفيها كل الأفكار الشريدة التي لا تنتمي إلى نظم الأفكار ، وعلى كل محلل أن يكون صبورا جدا وهو يلملم الشذرات وكل ما انتثر في الأجواء من نافر السلوك والفكر وكل ما يخالف طبائع الأمور وكل ما اعتاده الفكر من تجليات وغرائب .
لحظتنا العربية الراهنة وطغيانها فيها الكثير من السمات المذكورة في مطلع المقال وفيها ما يعرقل السير إلى الأمام والتفتيش عن الحلول البديلة ، لكن أخطر ما فيها هو الاستسلام لمعطيات اللحظة والرضوخ لتجلياتها ومفارقاتها والقبول بقدريتها وحتمية الانصياع لمتطلباتها والإحساس بانعدام البدائل والتعامل مع ما هو كائن على الرغم من ادانة هذا ” الما هو كائن” وعدم الرضا عن اختلاطه واضطرابه ونكوصه والتباسه .
اللحظة العربية وعناصرها تطغى بغرائبها وبعدها عن التاريخ والواقع وهي بهذه المثابة تفرخ وعيها المضطرب واختلاط عناوينها لدرجة لم يعد فيها مساحات للمعقول والممكن وتنأى بعناصرها الضاغطة عن الالمام العقلاني بها واحتوائها وأصبحت تتجلى وتتجسد في مدارات لا يمكن الاحاطة بها وتجاوزها وتلك بعض جوانب طغيانها وفائض تداعياتها .
ويبقى السؤال كيف نفكك طغيان اللحظة ونقلل من وقعها وآثارها ؟ وكيف نتدبر مخاطرها وكيف نخترق تأزمها وتعقدها وكيف نشتق من داخلها دروبا جديدة للتفكيك والفهم والحل وكيف نحولها من لحظة تأزم وانهزام إلى لحظة ادراك وإقدام ومن ثم كيف نخرج من إسارها وندخل إلى لحظة جديدة فيها ما يطل بنا على المستقبل ويمكننا من اختراق الانسداد .
اللحظة العربية الراهنة توقفنا الآن أمام مفترق طرق معقد وملتبس وتشل قدرتنا على الخروج من المأساة وعنق الزجاجة وترانا في كل واد نهيم لا نعرف المبتدأ والخبر ولا الشارد والوارد ، ونقف على حواف انسانية حادة تكاد تطيح بكل ما تبقى لنا من ادراك وبصيرة ، ونحن في حيرة تاريخية ووجودية بأن نكون أو لا نكون ، وطغيان اللحظة يخيم علينا يمدنا بكل عناصر اليأس وعلى رغم ذلك ترانا في خضم العتمة والإعتام نرى ضوءاً متخيلا ممكناً في آخر النفق ونتصور في كل لحظة وبدافع تاريخي مهيب أن لا بد لهذا الليل العربي المدلهم أن ينجلي ولا بد لطغيان اللحظة أن يتبدد .
.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى