الإيمان وقوّة التغيير

#الإيمان وقوّة #التغيير

الكاتبة #إحسان_الفقيه

يخطئ من يعتقد أن #الطبائع والصفات لا يمكن تغييرها، أو أن ما ألفه المرء واعتاده وعاش عليه فترة من الدهر، لا يمكن له أن يتحول عنه، ويصير شيئا لصيقًا به طيلة عمره.

وبالنظر إلى الوصايا القرآنية والنبوية بتحسين #الأخلاق، سندرك بوضوح إمكانية التغيير، فلو لم تكن الطبائع والأخلاق تتغير لبطلت المواعظ والوصايا، ولما جاء الأمر بتحسين الأخلاق كما قال علماء السلوك كالغزالي وغيره.

لكن التغيير كأي سلوك بشري له خصائص ومراحل يمر بها، تسير وفق سنن ربانية، ولها في نفس الوقت عوائق تحول دون إتمام عملية التغيير حتى وإن أرادها الإنسان.

وليس هناك ما يدفع الإنسان للتغيير بقدر ما يدفع إليه #الإيمان، عندما يتمسك الإنسان بعقيدة سليمة تنتشله من حيرة النظر في الكون العتيد، فتريح عقله، وتنسجم مع فطرته، وتربطه بجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.

كان النبي صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية منذ البعثة، يؤكد على تعميق الإيمان في النفوس، عن طريق تدبر القرآن الكريم، والوصية بالطاعة والبعد عن المخالفة، فإن الإيمان يزيد وينقص، وزيادته هي أكبر طاقة دافعة للتغيير.

فالعقيدة هي أقوى دافع لتغيير الإنسان، وكلما كان إيمانه بالفكرة أعمق، كلما اتجه صوب ما يتناغم معها من قيم وسلوكيات ترقى لمستوى تلك العقيدة، لذا تحول الصحابة بعد إيمانهم من شأن إلى شأن آخر.

كان الفاروق عمر قبل الإيمان، رجلًا جافًا، وليس له تأثير يذكر في مجتمعه، فما إن خالطت بشاشة الإيمان قلبه حتى تحول إلى عمر الذي يُبكيه الجياع، وتقتلع قلبَه آيةٌ قرآنية يتلوها بالليل في صلاته، تحول إلى عمر حاكم أكبر دولة على الأرض في وقت ما، ترتعد له فرائص القياصرة والأكاسرة.

كان بلال بن رباح قبل الإيمان، مجرد عبد حبشي، يضنيه العمل بالنهار والسوط بالليل، لا ذِكر له بين الأنام، كان هملًا بين الناس، فتحول بالإيمان إلى سيد في قومه، شجاع يتصدى في ساحة المعركة من كان سيّده يوما في الرق، فقد زال عنه الخوف من السياط، وتحول إلى بلال مؤذن الرسول، الذي يعرفه كل طفل صغير، فما إن يذكر الأذان في العهد النبوي حتى يتبادر إلى الأذهان اسم بلال.

وكان مصعب بن عمير قبل الإيمان، فتى مكة المدلل، وابن أمه، تضع له الطعام عند رأسه حتى إذا ما استيقظ لم يتكلف عناء طلب الزاد، تشتري له أفخر الثياب وأرقى العطور، حتى كان يعرف أنه مر من الطريق من رائحة عطره، ولما اعتنق الإيمان تحول هذا الشاب الناعم الذي لا يستطيع الاعتماد على نفسه إلى رجل جلد خشن يتحمل العذاب والجوع من أجل فكرته التي يؤمن بها.

اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم عليه في نشر الإسلام بالمدينة، فلم يدع دارًا في يثرب إلا ودعا أهلها إلى الإسلام، فلما أذن الله لنبيه بالهجرة، ذهب إلى المدينة وقد عمها الإسلام بسبب هذا الشاب، فاستقبلوه على مشارفها استقبال الأهل والأحباب.

لكن تغيير الأخلاق يحتاج إلى شيء من الصبر والتكلف حتى تصير سجية وطبعا، كما الحال فيمن يحاول تحسين خطه، يعاني ويراعي المسافات على السطور زمنًا، حتى يصبح الخط الحسن شيئا عاديا يفعله بلا تكلف.

إن رغبة الإنسان في تغيير نفسه تنبع من قناعته وإيمانه بالكسب الذي سيحصده والذي سيجلبه له هذا التغيير، والخسارة التي سيجنبه إياها، لذلك يلزم تذكير النفس بذلك وتحديثها على الدوام بهذا الكسب وتلك الخسارة.

ومما يساعد الإنسان على تغيير نفسه وجود أصدقاء من حوله يحملون نفس هم التغيير مثله، فذلك يشعره بالدعم المعنوي، كما يمنحه فرصة لتبادل التجارب والخبرات مع أشخاص يمشون معه في الطريق نفسه، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل).

ثم ينبغي على المسلم الذي يسعى إلى تغيير نفسه، أن يطلب العون من الله، وألا يكف عن الطلب حتى تتحقق الاستجابة. كما قال الله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى