الإصلاح بين الصرخة والمداهنة

الإصلاح بين الصرخة والمداهنة
م. عبد الكريم أبو زنيمة

أصل كلمة المداهنة هو دهن، وتعني الموافقة باطلاً على قول أو فعل ما كما جاء في سورة القلم الآية -9- “ودوا لو تدهن فيدهنون” أي رغبوا في أن تترك ما أنت عليه من الحق. ولكن، من هو الذي على حق! الرافض للواقع الذي نعيشه صارخًا ومطالبًا بالإصلاحات لتعزيز منعة الدولة وتحسين معيشة الناس أم المداهن المدعي باستقرار الأمور وحُسن الحال وأننا بأفضل وضع!
العمود الرئيس لبناء وتماسك الدولة هو الدستور ، جوهر وقوة الدستور يكمن في سمو القوانين والتشريعات وقدسية تنفيذها والالتزام بها ومدى تطبيق السلطات الثلاث لها وتطبيقها على الجميع دون استثناء لأيٍ كان، ومن أهم مبادىء قوة الدستور هي أن لا تُجرى عليه أية تعديلات إلا بموافقة الشعب، إما بالاستفتاء المباشر أو عبر ممثليه بأغلبية لا تقل عن الثلثين، فهل الدستور الحالي وما أُدخل عليه من تعديلات أخيرة يحظى بموافقة أغلبية الشعب الأردني! هل النواب الذين أقروا التعديلات الدستورية كانوا نتاج انتخابات حرة نزيهة ويمثلون إرادة الشعب الأردني حقًا! ألم يعلن مسؤول أمني كبير أنه عيّن (80) نائبًا منهم! القاعدة الفقهية تؤكد أن ما بني على باطل فهو باطل.
أحد أهم ركائز الأمن والاستقرار والازدهار هو القضاء، ولكي يعم العدل وينعم الجميع بالطمأنية على حقوقهم التي كفلها لهم الدستور فلا بد من أن يسود القانون ويتساوى الجميع الغني والفقير، السيد والعبد، والحاكم والمحكوم، هذه العدالة يحققها قضاء مستقل لا يخضع للسلطة التنفيذية ولا حتى التشريعية، ويتم اختيار القضاة ضمن معايير الكفاءة والنزاهة والخبرة بعيدًا عن التأثيرات الخارجية من قبل مجلس قضائي ولا يعزل القاضي إلا لسبب قاهر مثبت! فهل يكون للقضاء سلطة وفاعلية ما دام هناك اي شكل من اشكال تغول السلطة التنفيذية عليه؟
لقد نصّ الدستور الأردني في مادته الأولى أن نظام الحكم هو نيابي ملكي وراثي، أي أن تتولى حكومة برلمانية منتخبة من الشعب إدارة شؤون الدولة وتعمل على تنفيذ ما نص عليه الدستور بالمساواة بين الأردنيين وعدم التمييز بينهم وتضمن تكافؤ الفرص للجميع..و..و الخ، بالإضافة إلى مهامها وواجباتها الأُخرى، هل يشعر الأردنيون حقًا بالمساواة في التعليم والرعاية الصحية والتوظيف وتولي المناصب أم أن وظائف الفئة العليا والتنقل بين المناصب وما ينتج عنها من تميز في التعليم والرعاية الصحية والإثراء حكرًا على فئة معينة! هل تساوى يومًا أبناء وورثة عطية مع أبناء وورثة زيد! هل شعر المواطن الأردني يومًا بأن حكوماتنا تفانت وعملت بجد وإخلاص لتأدية واجباتها! وهل نظر أي منهم للوطن بعيون وآمال وطموحات الشعب أم بمصالحه وما تتسع جيوبه! هل مدّ أحدهم يومًا يده ليرفعنا للأعلى أم داسوا على رؤوسنا وكرامتنا ليرفعوا ما غنموه لحجم أرصدة حساباتهم! هل تراجعت المديونية ونسب الفقر والبطالة والتضخم والجرائم أم تزايدت نسبها! ألم يصرح الكثير من الوزراء بعد خروجهم من المسؤولية أنهم كانوا ينفذون تعليمات معينة! ألم يصرح أخيرًا نائب رئيس وزراء سابق أن نسبة الولاية العامة للحكومة لا تتجاوز 35%! فمن هي إذن الجهات التي تعبث بأمن الوطن!
بالوقت الذي لم يعد خافيًا على أحد الفشل الذريع للسياسات الاقتصادية وبرامج التصحيح وخاصة السياسات الضريبية التي حرمت الخزينة من موارد مالية ضخمة وضخمة جدًا من أرباح الشركات التجارية والبنوك والتأمين وأسواق المال والاتصالات والمياه والطاقة وغيرها، إلا أن الحكومات المتعاقبة انحازت جميعها لرأس المال وعملت على حمايته بإبقائها على نسبة ضريبة الدخل بحدود 22% وهي نسبة منخفضة جدًا من حجم الإيرات الضريبية بالوقت الذي أفرطت فيه بزيادة الأعباء الضريبية غير المباشرة (المبيعات) المقدرة ب 78% وهي تمامًا كمن يقف على رأسه أو مثل من يضع المثلث على رأسه وليس على قاعدته الأمر الذي أدى إلى انكماش الاقتصاد وتهالك النمو وتفاقم الاختلالات في موازين المدفوعات وزيادة كبيرة للدين العام مقارنة بالناتج المحلي، فهل عوقب أحدهم على هذا العبث بالاقتصاد الوطني!
أمام هذا السرد المختصر جدًا بالعبث بأمن الوطن وجرائم السطو على المال العام التي تختفي وتطمس آثارها وينطفئء وهجها وذكرها فإن المطالب بالإصلاحات هي في حقيقتها حس وانتماء ومسؤولية وطنية، من يصرخ بوجه الفساد فإنما هو الأحرص على الوطن من أولئك الذين يداهنون على الباطل ويزينون الفشل وسوء الإدارة ونهب المال العام وتبديد الثروات، نريد وطن يهنأ فيه الجميع، وطن لنا ولكم وليس إما نحن وإما لا نحن ولا أنتم، المطالبون بالإصلاحات لا يقلون أهمية من حاملي السلاح الساهرين على حدود وأمن الوطن، أما المداهنون فهم فئران السفينة التي سيرسلونها إلى قعر البحر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى