الإدارة الحكومية وسياسة تدوير المناصب

ا#لإدارة #الحكومية وc#سياسة #تدوير #المناصب
موسى العدوان

الإدارة مفهوم شامل في عالم اليوم، ينسحب على جميع أوجه النشاطات الحياتية، التي يمارسها الناس في مجتمعاتهم بصورة يومية. والإدارة تبدأ أساسا بالفرد وبكيفية إدارته لنفسه، ثم تتطور من إدارته الذاتية إلى إدارة مجموعة من الناس، عندما يكون في موقع المسؤولية، سواء كان مديرا أو وزيرا أو ورئيسا في مؤسسة معينة.
ازداد الاهتمام بالإدارة بعد الحرب العالمية الثانية، نظرا لكثرة التعقيدات ألتي تواجه المسؤولين، نتيجة للتقدم الصناعي والتكنولوجي، الذي أحدث قفزة اجتماعية، تستدعي إدارات متخصصة، تدرك أهمية التعاون بين المدير وأتباعه من الموظفين، وتتطلب دراسة دقيقة لمعرفة جوانب الموضوع، واختيار العمل الذي يحقق الهدف المنشود.
تصبح الإدارة أكثر أهمية كلما زاد نطاق الأعمال ودرجة التعقيدات التي تواجه المدراء. فالتطورات التقنية تغير بصورة طبيعية ومتواصلة، أساليب الإدارة وآليات تطبيقها. وبناء عليه يتعرض المدراء بمختلف مستوياتهم إلى اتخاذ قرارات إدارية هامة، تنعكس نتائجها على أعمال المرؤوسين أو على حياتهم الشخصية. وإن كان المدراء نادرا ما ينفذون الأعمال بأنفسهم، بل ينفذها المرؤوسون لديهم، إلاّ أنهم يتحملون مسؤولية أعمال مرؤوسيهم، سواء كانت صائبة أم خاطئة.
ويتضمن العمل الإداري تحليلا دقيقا للمعضلة التي تواجه المدير، والذي عليه أن يدرسها بدقة ويناقش حلولها الممكنة، لكي يختار من بينها الحل الذي يوصله إلى غايته ، ومن ثم ينتقل ــ بالضرورة ــ إلى المرحلة اللاحقة، وهي عملية اتخاذ القرار. ومن هنا يتبين لنا أن الإدارة والقرار، عملان متلازمان يكمل أحدهما الآخر.
لا شك بأن الإحباط والتخبط الذي يجري في بعض الدوائر الرسمية أحيانا، ناتج أساسا عن التوظيف الخاطئ، وعدم وجود الشخص المناسب صاحب الكفاءة العلمية والخبرة العملية، في المكان المناسب. فتكون المخرجات الحتمية، قرارات خاطئة ومتضاربة أحيانا، قد تتبعها أزمة إدارية أو أكثر. وحينئذ تتحول الدائرة إلى حقل تجارب لكل قادم جديد، يمارس فيها هواياته، ويتحمّل المواطنون وزرها، لأنهم يشكلون الحلقة الأضعف في السلسلة الإدارية . . !
ومن الواضح أن تخريب كيان الدولة الداخلي، أخطر من أي تخريب خارجي. خاصة إذا كان التخريب الداخلي مقصودا، من خلال اللجوء إلى وضع ” الرجل غير المناسب في المكان المناسب “، أو من خلال تدوير المناصب بين الأصدقاء والمحاسيب، بغض النظر عن الكفاءة بل بقصد المنفعة التي تعود عليهم. وهذه المجموعة من المحظوظين القريبة من صاحب القرار، معصومين في نظره من النزول عن صهوات جيادهم الوظيفية مهما بلغوا من العمر.
وإن حدث ذلك وترجلوا عن جيادهم، فقد يكون ذلك لفترة محدودة يلتقطون فيها أنفاسهم، فيوضعون خلالها في مستودع التوظيف الاحتياطي على قائمة الانتظار، كي يعاد توظيفهم في أول فرصة سانحة، بعيدا عن العدالة والمساواة، التي صدعت الحكومات المتعاقبة بها رؤوسنا دون تطبيق فعلي.
لقد أقدمت حكومتنا الحالية ذات التعديلات الأربعة خلال سنة واحدة، على تعيين وزراء في غير تخصصاتهم، وكانت النتيجة فشلهم الذريع في أعمالهم على حساب الوطن والمواطن، الذي كان ينتظر ساعة الفرج ولا يراه. واليوم راحت حكومتنا ( الرشيدة )، تمارس لعبة جديدة، تتمثل في تدوير المناصب لبعض الوزراء وكبار الموظفين السابقين ( الداخلين في السستم )، ليشغلوا وظائف في مجالس إدارة شركات ومؤسسات رسمية. ليس ليقدموا عملا نوعيا جديدا، بل ليحصلوا على مزيد من المنافع المادية والمعنوية.
ولهذا نجدهم وأمثالهم، يكتبون مقالات ونشاهدهم في مقابلات تلفزيونية يتحدثون، ونشعر أن كلامهم يقطر تزلفا ونفاقا، بين كل حرف من حروفه، ليذكر بوجودهم على الساحة ولم يطوهم النسيان . . !
وهنا أحب أن أعيد التذكير بقصة الجاسوس السوفييتي، الذي جندته المخابرات الأمريكية، ليسهم في تخريب الدولة السفييتية من الداخل. لقد كان هذا الجاسوس مستشارا للرئيس السوفييتي السابق، وكان من أكثر الموظفين إخلاصا ونشاطا ظاهرا للدولة. وقد اشتبهت الاستخبارات السوفييتية ( K G B ) بهذا الجاسوس رغم وظيفيته العليا، ولكن لم تثبت عليه أية تهمة، أو يظهر عليه أي دليل بالتجسس لصالح الأمريكان.
وبعد أن تقاعد هذا الجاسوس وأصبح طاعنا بالسن، أرادت الاستخبارات السوفييتية معرفة حقيقة عمل هذا الرجل خلال وظيفته، ومدى صحة الاتهامات التي وُجهت إليه سرا. وبعد أن أعطوه الأمان بعدم قتله في آخر عمره، أعترف بأن الأمريكان كلفوه بعمل بسيط وهو ” وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب “.
وأضاف قائلا : أنه كان يأتي بالمهندس الزراعي ويضعه وزيرا للمالية، ويأتي بالطبيب ويضعه وزيرا للصناعة، ويأتي بالصناعي ويضعه وزيرا للتربية والتعليم، وهكذا كان يضع كل مسؤول في غير تخصصه. وهذا العمل وأمثاله ساعد في تفتيت الاتحاد السوفييتي من الداخل إلى أن تم انهياره.
وهذا الأسلوب في الإدارة الحكومية أي ” وضع الرجل غير المناسب في المكان المناسب “، هو ما نلاحظ اتباعه من قبل مختلف حكوماتنا السابقة، لا بل أن حكومتما الحالية، أضافت عليه فكرة أخرى، تتمثل في ” تدوير المناصب بين المحاسيب والأصدقاء ” وحصرها في حلقة ضيقة، إمعانا في قهر الناس وزيادة غضبهم، دون مراعاة لشعورهم أو مخافة من الله.
وهكذا تستمر المسيرة . . !
التاريخ : 27 / 10 / 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى